«ربنا مقلش كده».. فاتن أمل حربي تثير الجدل على مواقع التواصل
أحمد العلامي مصر 2030أثار مسلسل «فاتن أمل حربي» الذي يُعرض في مارثون دراما رمضان، حالة من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تعرضه لثوابت قانونية، ودينية تشريعية للمسلمين في قضايا الأحوال الشخصية، مثل قضية حضانة الأم المطلقة لأطفالها حال زواجها، وكذا الولاية التعليمية على الأطفال.
وفي الإطار جاء في سياق الحلقة الخامسة من المسلسل، ذهاب بطلة المسلسل والتي تدعى «فاتن» إلى ما ظهر وكأنه مبنى مشيخة الأزهر الشريف، للحصول على فتوى مكتوبة بشأن أحقيتها في حضانة أطفالها باعتبارها مطلقة، وسألت «فاتن» التي تجسد شخصيتها الفنانة نيللي كريم، الشيخ الأزهري يحيي، والذي يجسد شخصيته الفنان محمد الشرنوبي، ونرصد في السطور التالية نص الحوار وفق المسلسل:
فاتن: ممكن أخد فتوى مختومة من عندكم؟
الشيخ: ممكن بس فيها إجراءات وروتين هياخد وقت.
-كنت عاوزة أسأل سؤال هل ربنا قال إن الست المطلقة لما تيجي تتجوز تسقط حضانة عيالها؟
-قال
-يعني ربنا قال كده بنفسه؟
-يعني إيه بنفسه؟
-يعني فيه آية بتقول قال الله تعالى: إن الست لما ...
-إنتي هتحرفي يا ست !!
-ده مجرد سؤال؛ أنا خريجة حقوق وموظفة في الشهر العقاري وانت باين عليك شيخ مستنير، هو حضرتك اسمك إيه؟
-اسمي يحيي
-عاشت الاسامي يا شيخ يحيي ممكن تجاوبني بصراحة هل ربنا قال بنفسه إن مفيش ولاية للست على عيالها ولما تيجي تتجوز تسقط حضانتها؟
-لا ولاية للأم على أموال أولادها القصَّر وده مذهب الجمهور
-يعني ربنا مقلش كده انتو اللي قولتوا؟
-إحنا مين؟
-انتو الشيوخ مهو في كل الكلام اللي انت قلته ده انت مجبتش سيرة ربنا؟
-أيوه مهو ده الفقه
-أنا بسأل عن كلام ربنا مش عن الفقه؟
-هو انتي هتفهمي كلام ربنا لوحدك؟
-على أساس إني ناقصة عقل طبعا؟!
-لأ العفو، حضرتك اسمك إيه؟
-اسمي فاتن
-طب شوفي يا ست فاتن أنا قلتلك الكلام اللي أعرفه أو إن جيتي للحق يعني الكلام اللي انا حافظه أو اللي ينفع أقوله!
-وأنا أتحداك إن ربنا مقالش كده
-هو انتي ذاكرتي ودرستي عشان تتحديني؟!
-الحاجة دي مش محتاجة دراسة ربنا عادل ورحيم والرحيم مش هيحرم أم من عيالها.
بتلك الكلمات انتهى المشهد التمثيلي والذي يغذي في عقل المشاهد العامي عدم الاعتداد بأقوال الشيوخ، وإعمال العقل في فهم الفقه بالمخالفة لقول الله تعالى: «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، وقوله تعالى: «يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير»، وكذا مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»، وقوله أيضًا: «إن العلماء ورثة الأنبياء»، وأيضًا: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم»، وينكر هذا المشهد التمثيلي مصادر التشريع الإسلامي إذ تعتبر «فاتن» أن المصدر هو القرآن فقط، وتجنيب السنة النبوية المطهرة، وإجماع فقهاء الأمة ومنهم فقهاء المذاهب الأربعة، والقياس لشرح العبادات الدينية الإسلامية وهو اتجاه خطير قد يكون نواة جديدة لإنبات فرقة منكري السنة المعروفين باسم القرآنيين، كما أظهر المشهد التمثيلي الشيخ الأزهري في ثوب الحافظ والمردد فقط لمعلومات، وليس لديه الحجة للمناظرة وشرح الحكمة والتدليل عليها من الكتاب والسنة، في مسألة إسقاط حضانة الأم عند زواجها، وولاية الأب التعليمية على أبناءه.
بيان حق الحضانة
ولتأصيل هذا الأمر شرعًا وقانونًا نقدم لك عزيزي القارئ في السطور الآتية شرحًا لمسألة حضانة الأم المطلقة لأطفالها وولايتها التعليمية عليهم، فحضانة الأم للأطفال بعد طلاقها ثابتة في الشرع، كما أن إسقاط الحضانة عنها عند زواجها ثابت أيضًا بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فجاء عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن امرأةً قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، وثديي له سقاءً، وحجري له حِواءً، وإن أباه طَلَّقني، وأراد أن ينتزعه منِّي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تنكَحِي، وَلَهُ الحقُّ في النفقةِ عَلَيهِ حَتَّى يَبْلُغَ» رواه أبو داود، فجعل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حضانة الطفل لأمه، وألزم والدَه بالإنفاق عليه.
وفي المشهد التمثيلي لم يتطرق الشيخ الأزهري إلى ذكر الحديث النبوي الذي فيه حكم حضانة الأم للأطفال، وكذا حكم إسقاط الحضانة عنها عند زواجها، وهو أمر يشير إلى سوء نية القائمين على العمل في توجيه رسالة سلبية للمشاهد بعدم وجود تشريع إلهي في القرآن، أو السنة المطهرة حول أحكام الحضانة، وإظهار أن الحكم الشرعي هو مجرد أقوال من الفقهاء قد يؤخذ بها وقد لا يؤخذ، وهو أمر مخالف لواقع المسألة ويحمل تضليلًا للقارئ بهدف حشد الرأي العام في اتجاه مخالفة الشرع في أمر إسقاط حضانة الأم للأطفال عند زواجها برجل أجنبي.
وحضانة الأم أطفالها أقرتها الشريعة الإسلامية وسار على حكمها القانون، فإذا لم تتزوج الحاضنة، أو تزوجت من ذي رحمٍ محرمٍ للمحضون، فإن لها حق الحضانة، إما إن تزوجت بغير ذي رحمٍ محرمٍ للمحضون فإن جمهور الفقهاء يَرَوْن سقوط الحضانة عنها؛ سواء كان المحضون ذكرًا، أو أنثى.
وبحسب دار الإفتاء المصرية، فإن الحضانة هي حق للمحضون، والأَوْلَى بها في سِنِيها الأُولى النساءُ؛ لصُلُوحِهنَّ فطريًّا وخِلقيًّا لهذه المهمة النبيلة في رعاية المحضون؛ فهنَّ أقدر مِن الرجال على رعاية المحضون في هذه السنِّ والعناية به والصبر عليه وعلى احتياجاته والبقاء معه بما يكفي لحسن نشأته وصلاح نَباتِه، وأَولى النساء بذلك الأم، فإذا فُقِدَت أو عَجَزَت أو كانت متزوجة بأجنبي عن المحضون تحضن النساء مِن جانبها؛ كأمها وأختها بشرط عدم زواجهنَّ مِن أجنبي عن المحضون، فإن فُقِدنَ أو عَجَزنَ أو كنَّ متزوجات بأجنبي عن المحضون فالنساء من جانب أبي المحضون بشرط عدم زواجهن من أجنبي عن المحضون، فإن فُقِدنَ أو عَجَزنَ أو كنَّ متزوجات بأجنبي عن المحضون فالأولى بالحضانة حينئذٍ الأب.
وأحق الناس بحضانة المحضون أمه، ومن بعدها أمُّ أمِّه وإن عَلَت، فأم الأب وإن عَلَت، فالأخوات الشقيقات، فالأخوات لأم، فالأخوات لأب، فبنت الأخت الشقيقة، فبنت الأخت لأم، فالخالات بالترتيب المذكور في الأخوات، فبنت الأخت لأب، فبنت الأخ بالترتيب المذكور، فخالات الأم بالترتيب المذكور، فخالات الأب بالترتيب المذكور، فعمات الأم بالترتيب المذكور، فعمات الأب بالترتيب المذكور. فإذا لم توجد حاضنة من هؤلاء النساء أو لم يكن منهن أهل للحضانة أو انقضت مدة حضانة النساء انتقل الحق في الحضانة إلى العصبات من الرجال بحسب ترتيب الاستحقاق في الإرث، مع مراعاة تقديم الجد الصحيح على الإخوة.
حكمة إسقاط حضانة الأطفال بعد زواج الأم
والحكمة من سقوط حضانة الأم إذا هي تزوجت، لانشغالها بحق الزوج، وقد يترتب على ذلك الانشغال ضياع حق الطفل، وكذلك خشية المنّة على المحضون، ولأن الزوج قد لا يهتم بتربية ذلك الولد، فيكون في ذلك إضرار بالولد وتضييع لمصالحه، قال الباجي رحمه الله :«وَوَجْهُ ذَلِكَ : أَنَّ الصَّبِيَّ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِتَكَرُّهِ الزَّوْجِ لَهُ ، وَضَجَرِهِ بِهِ ، وَالْأُمُّ تَدْعُوهَا الضَّرُورَةُ إِلَى التَّقْصِيرِ فِي تَعَاهُدِهِ؛ طَلَبًا لِمَرْضَاةِ الزَّوْجِ ، وَاشْتِغَالًا بِهِ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُضِرٌّ بِالصَّبِيِّ ، فَبَطَلَ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ».
ومن أسباب إسقاط حضانة الأم عند زواجها ما في ذلك من المنة على الطفل المحضون، إذا عاش تحت حضن هذا الزوج الجديد، وكل إنسان لا يرضى أن يكون ابنه تحت رجل أجنبي، وكذلك كون هذا الزوج الجديد أجنبيًا من المحضون، وإذا كان أجنبيًا ربما لا يرحمه، ولا يبالي به ضاع أم استقام، ولعل الواقع يظهر الأثر السلبي لبقاء الأطفال مع الأم بعد زواجها فنجد حالات اعتداء من الزوج الجديد على أطفال الزوج القديم، والتمييز بينهم وبين أطفاله من ذات الأم، بل هناك جرائم مخلة بالشرف ارتكبها الزوج الجديد بأطفال الزوج القديم؛ وقال ابن قدامة رحمه الله : «وَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ سَبْعَ سِنِينَ ، خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ ، فَكَانَ مَعَ مَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا».
الولاية التعليمية للأب
وتوضِّح دار الإفتاء، أنه مع حق حضانةُ الأم لأولادها فإنها لا تَسْلُب الأبَ الحقَّ في تربية أولاده المحضونين وتوجيههم ورعايتهم والإشراف عليهم بما يعودُ عليهم بالصلاح والنَّفع في حياتهم، وذلك بولايته الطَبْعِيَّة والشرعيَّة عليهم، وهو مُلزَمٌ برعاية اللهِ تعالى فيهم، مِن باب كونه راعيًا ومسؤولًا عن رعيته، فيختار الأنْفَعَ والأصلحَ لهم، والذي من شأنه أن يكفل لهم حياةً كريمة ويُهَيِّئَهم لأن يعودوا بالنفع على مجتمعهم، ويكون إنفاقه عليهم متوافقًا مع مستوى معيشته ومتناسبًا مع دخله؛ لقوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: 7]؛ فإذا راعى الأب جميع ما سبق في تعليمه لأولاده، فليس للأُم أو لغيرها أن تلزمه فوق طاقته، وإن رأت الأم أن تساهم بمالها لتعليمهم تعليمًا أرقى مما وجب على الأب أن يُلحِقَهم به -حسب حالته المادية- فلا بأس بذلك، بشرط ألَّا يكون في هذا النوع من التعليم ضرر على المحضون في دينهِ أو نفسهِ؛ لأن مدار الحكم في ذلك على تحقيق مصالح المحضون التي كُلِّف الأب برعايتها، وليس له أن يتعنَّتَ في ذلك على حساب المحضون، فإذا بقي النزاع بين الأب والحاضنة قائمًا، فالقاضي هو المُخَوَّل بالفصل بينهما بما يحقق المصلحة للمحضون.