الإمام أبوالوفاء الشرقاوي.. رائدا دينيا ومناضلا وطنيا
محمد فتحي مصر 2030يعد الإمام والقطب الرباني سيدي أبوالوفاء الشرقاوي من أعلام الأزهر والصوفية في مصر، ومن أبرز علمائها وشيوخها في مدرسة صوفية عظمى بدأت نشأتها في صعيد مصر، ثم ذاع صيتها في مختلف الأقطار ذلك الإمام الذي كان أحد أعلام العلماء في عصره يتوافدون عليه لمكانته العلمية والأدبية.
لم تكن حياة الإمام العظيم الشيخ أبوالوفاء أحمد أبوالمعارف الشرقاوي، قاصرة على التصوف ولكنه كان عالما فذا ووطنيا رائدا في ثورة 19، وجاهد في سبيل استقلال مصر مع الزعيم سعد زغلول الذي دان له وجميع زعماء وساسة الأمة بالتقدير والإجلال، وكان مهتما بوحدة المسلمين في شتى أنحاء العالم، وسافر إلى كثير من دول العالم العربية والغربية لمؤازرة المسلمين في تلك البلاد، وكان يتمتع بروح التسامح والإخاء مع أصدقائه الأقباط حتى أنه كانت له مواقف سديدة تجاههم أما حياته الروحية، فكانت شديدة الخصوصية وعبر عنها في بيت شعر له ثملت براحة التقريب لكن كستني حلة الصحو احتشاما.
نسبه ومولده
هو الإمام العارف بالله الصوفي الزاهد الشيخ أحمد أبو الوفاء الشرقاوي ابن الإمام قدوة المحققين والشاعر الصوفي سيدي أحمد بن شرقاوي بن مساعد بن تائب بن خلف بن يوسف بن عبدالسلام بن جامع ويمتد نسبه إلي محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ولد الشيخ أبوالوفا الشرقاوي في مايو 1879م، الموافق السابع عشر من جمادي الآخرة عام 1296هـ أطلق عليه مريدوه ألقابا عديدة منها ملاذ العارفين وتاج المرشدين وأبوالمعارف وأبو الإسعاد.
نشأته وتربيته
نشأ العالم الجليل الشيخ الشرقاوي في قرية كانت تسمى، دير سوادة والذي أصبح اسمه حاليا دير شرقاوي، من قري فرشوط بمحافظة قنا جنوب صعيد مصر في بيئة علمية تقية صالحة إمامها وشيخها والده مربي السالكين وقدوة العارفين أبوالمعارف الشيخ أحمد بن شرقاوي الداعي إلى الله والمجاهد في الله، بما أفاد من علم وألَّف من كتب ونشر من دعوة وهذَّب من طباع ورفَّق من قلوب وأدَّب من نفوس وأحيى من سنن.
تلقى الشيخ أبوالوفاء الشرقاوي، العلوم العربية والشرعية على أيدي كبار علماء عصره ممن كانوا يفدون على ساحة، والده شيخ الطريقة الخلوتية الصوفية وعنه ورث أمر الطريقة، كما ورث عنه المال والثراء فقد كان الشيخ عاملا مؤثرا في حركة التقريب بين المذاهب وطبعت له مطولات في كتيبات جُمعت كتاب بعنوان أبو الوفاء الشرقاوي حياته وآثاره. وللشيخ أبوالوفاء الشرقاوي، رسائل مع كبراء السياسيين في عصره ومقالات أدبية واجتماعية ودينية نشرتها الصحف المصرية وله كتاب في آداب الطرق الصوفية بعنوان مصباح الأرواح في سلوك طريق الفَتّاح وآخر لمعة الأسرار في مدح الحبيب المختار.
شعر الشيخ الشرقاوي
شعره في جملته شعر صوفي، تبدأ قصائده بالغزل الصوفي أو الحكمة وقد يدخل مباشرة في موضوع القصيدة الذي هو ابتهال وتوسل ومديح للرسول صلى الله عليه وسلم وهناك أشعار وطنية وسياسية وفي هذه القصائد تتعدد الأغراض في بنية القصيدة الواحدة وبخاصة حين يعمد إلى الإطالة ومن قصائده القصيدة الوفائية في وصف النعل الشريفة.
علاقته بالزعيم سعد زغلول
كان للشيخ الشرقاوي علاقات وطيدة بالزعيم سعد زغلول، وقادة الوفد إبان ثورة 1919 فإن علاقته ظلت طيبة مع مختلف رجالات الأحزاب السياسية.
وعن ذلك يقول الأستاذ محمد عبدالرحمن الشرقاوي أحد أحفاد العارف بالله الشيخ أبوالوفاء الشرقاوي، بمركز نجع حمادي شمال قنا بأن هناك وثائق نادرة عمرها 95 سنة، تعود إلى سنة 1920م تدل على مدى العلاقة الوطيدة التي كانت بين العالم الجليل والزعيم الراحل سعد زغلول وسياسيين وزعماء مصريين في القرن الماضي.
ومن بين تلك الوثائق برقية أرسلت من الزعيم سعد زغلول مؤسس حزب الوفد المصري، يشكر فيها نضال العارف بالله أبوالوفاء الشرقاوي ومجهوداته للمطالبة لنيل الاستقلال عن بريطانيا، وفيها كتب الزعيم سعد زغلول مخاطبًا الشيخ الشرقاوي حضرة صاحب الفضيلة السيد أبوالوفاء الشرقاوي نجع حمادي أشكر لسيادتكم، ما أبديتموه من جميل الشعور ورقي العواطف، وإن لنا وطيد الأمل في أن يتوج المولي أعمالنا بالنجاح ونيل الأمة استقلالها بمفضل تضافر جميع عناصرها واتحاد أبنائها وتمسكهم بحقوق الوطن المقدسة وبفضل دعواتكم وبركاتكم المتوالية، سعد زغلول.
وارتبط الشيخ الشرقاوي بعلاقة وطيدة مع المناضل المصري سعد زغلول، وكان على رأس مستقبليه في الصعيد خلال زيارته بالعائمة النيلية نوبية إلى عواصم مدن الصعيد لجمع التوكيلات من المصريين المطالبة بإنهاء الحماية البريطانية عن مصر.
علاقة بالأمير يوسف كمال
كشف الأستاذ محمد عبدالرحمن الشرقاوي، أحد أحفاد العارف بالله سيدي أبوالوفاء الشرقاوي أيضا، أسرار العلاقة التي ربطت بين جده والأمير يوسف كمال أحد أفراد الأسرة العلوية التي حكمت مصر، قائلا: «العلاقة بين الأمير وجده بدأت بلقاء مشترك، جمع بين محمود باشا سليمان وكيل مجلس شورى القوانين ووالد محمد محمود باشا الذي ترأس أربع حكومات قبل ثورة يوليو 1952، والأمير يوسف كمال والعارف بالله الشيخ أبو الوفاء الشرقاوي».
وأوضح " الشرقاوي " أن محمود باشا سليمان كان صديقًا للعائلة وأحد أتباع جدنا الأكبر العالم أحمد أبو الوفاء الشرقاوي وفي أحد زياراته للساحة الشرقاوية علم محمود باشا سليمان بوجود الأمير يوسف كمال في قصره في نجع حمادي لمباشرة أملاكه فعقد العزم علي زيارته وطالب من الشيخ أبو الوفاء الشرقاوي مرافقته إلى قصر الأمير وبالفعل تم اللقاء بين الثلاثة في ضيافة الأمير وهناك تلاقت الأفكار بين العارف بالله والأمير يوسف كمال الذي كان مثقفًا ثقافة رفيعة حتى أصبحا صديقين يتبادلان الزيارات والخطابات والبرقيات في حال غياب الأمير عن نجع حمادي.
دوره في الحركة الوطنية
استطاع الشيخ الصوفي أبو الوفاء الشرقاوي أن يوقظ الهمم ويُلهب المشاعر الوطنية حين كانت البلاد مكبلة بأغلال الاستعمار فقد لعب الشرقاوي دورًا بارزًا في الكفاح ضد الاستعمار البريطاني في صعيد مصر كان هو المرجعية لكل النفوس الوطنية الثائرة ضد الاستبداد والظلم في نفس الوقت وقت مطالبة الزعيم سعد زغلول بالاستقلال عن بريطانيا. وكان الزعيم سعد زغلول مؤسس الوفد المصري والشيخ الشرقاوي يسيران علي نفس الدرب هذا يقود الأمة في الشمال والآخر يقودها في الجنوب ومعه الكثير من الوطنيين وكان لابد من اللقاء بين القطبين.
وحين زار الزعيم سعد زغلول الصعيد حيث تلك الصورة الشهيرة على الملتقطة علي العائمة النيلية التي حملته ورفاقه إلى الأمصار والمدن بصعيد مصر لجمع التوكيلات من المصريين المطالبة بالاستقلال قال سعد قولته الشهيرة "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة" وقتها انشد العارف بالله “إذا جاء نصر الله والفتح يا مصر فما مثل هذا الفتح فتح ولا نصر".
لم يخف الشيخ الشرقاوي ولم يخش بطش وجبروت المستعمر بل ناضل وجاهر بوطنيته نحو تحرير البلاد وراح ينظم القصائد ليُلهب حماس المصريين الوطنيين للوقوف في وجه المستعمر بل و ضد البدع التي كانت متفشية في عصره.
هكذا كانت حياة العارف بالله الشيخ أبو الوفاء الشرقاوي الصوفي الوطني المناضل الذي رحل عن دنينا بينما تاريخه ونضاله سيظلان نبراسا وسراجا منيرا للأجيال القادمة بل وستظل ساحته الشرقاوية الكائنة بمركز نجع حمادي شمال قنا شاهدا وملاذا آمنا وقبلة للقاصدين.