«لا أراهم».. كيف أكون مؤمنًا بالملائكة والجن والنار؟ «الإفتاء» تُجيب
أحمد العلامي مصر 2030يتساءل العديد من المسلمين عن الأحكام الفقهية والخاصة بالعبادات، والعقائد، والتي تشغل فكره وقد يتشكك فيها علقه؛ وعليه سأل أحد المواطنين يقول: الإسلام دين ينبغي على المرء أن يفهمه؛ لأنه بمثابة نظام للحياة، وعادة ما يكون العلم شرطًا للفهم مما يؤدي بدوره إلى الاقتناع، غير أن الإسلام يشتمل على الأمر بالإيمان بالغيبيات مثل: الملائكة والجن، والجنة والنار، ولأنني مسلم يجب عليَّ أن أقتنع بوجود هذه الأشياء الغيبية فما هو الحد الفاصل بين العلم والإيمان؟
وأجابت دار الإفتاء على لسان أمانة الفتوى، بأن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة للعالمين، وهو العهد الأخير الذي عهد به الله إلى خلقه، ولذلك فهو يصلح لكل الأسقف المعرفية، ويتناغم مع جميع الحقائق العلمية، والمسلمون يعتقدون أن الوحي هو كتاب الله المسطور، وأن الكون هو كتابه المنظور، وكلاهما صدر من عند الله؛ الوحي من عالم الأمر، والكون من عالم الخلق، وما كان من عند الله تعالى لا يختلف ولا يتناقض؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، ومن هنا كان للمعرفة في الإسلام مصدران هما: الوحي، والوجود، وليس الوحي فقط.
اقرأ أيضًا: الأيام البيض في شهر شعبان.. اعرف موعدها وثواب صيامها
الإسلام والعلم
وأفادت الدار، بأن الإسلام يقرر أن العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة؛ حيث يقول تعالى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾، ويقرر أن المؤمن بهذا الدين ينبغي أن يكون في بحث دائم عن الحقائق، وإذا وجدها فهو أحق الناس بها؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الكَلِمَةُ الحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» سنن الترمذي.
والإسلام دين علمي يشتمل على قواعد الفهم وأسس الاستنباط ومناهج التطبيق، كما أنه يتسق مع المفاهيم العقلية؛ لأن العقل من خلق الله تعالى، فهو يؤمن بكل وسائل العلم المختلفة ما دام أنها توصل إلى اليقين، فإذا حصل اليقين فهو مقدم على النتائج الظنية، ولكنه في نفس الأمر لا يقصر العلم على التجريبيات فقط، بل يتعداها إلى كل ما من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة صحيحة حتى لو لم تكن حسية، ويعتقد المسلمون أن الإيمان بالغيب لا يخالف العقل؛ لأنه جاء بما يفوق العقل، ولم يأتِ بما يستحيل في العقل.
ولزيادة الإيضاح قالت أمانة الفتوى: إن هناك فارقًا بين المستحيل العقلي وهو الجمع بين النقيضين، وبين الأمر الخارق للعادة وهو معجزات الرسل مثلًا، فلا يمكنني أن أؤمن بأن واحدًا مع واحد يساوي ثلاثة مثلًا، بينما لا يوجد في العقل ما يمنع من وجود مخلوقات أخرى لا أراها، أو أن الماء نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو أن الله يخبره بما يخبئه الناس في بيوتهم أو صدورهم.
اقرأ أيضًا: قصر عمر بن الخطاب في الجنة.. بشره به النبي ﷺ
العلم والإيمان
فالإسلام يشكل منظومةً متكاملةً بين العلم والإيمان، تبدأ من دلالة هذا الكون على وجود الله تعالى، وأنه لم يخلقهم عبثًا، بل أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الوحي الذي يطبقون به مراده من الخلق، ثم ختم هؤلاء الرسل بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل لرسله من المعجزات والخوارق شديدة الوضوح ومن النصر والتأييد ما يقيم به الحجة والدليل على أنهم من عند الله.
واختتمت الدار فتواها، بأنه يمكننا أن نقول بكل وضوح: إن العلم والإيمان وجهان لعملة واحدة، وكل منهما يكمل الآخر، فكلما ازداد الإنسان سعةً في فروع العلم التجريبي المختلفة أحس بمدى الإحكام والإتقان والإبداع الذي أقام الله عليه الخلق وأيقن أن الكون مليء بالحقائق والأسرار التي لم يعرف منها البشر إلا قليلًا، فيزداد بذلك إيمانه بالله تعالى وحبه لهذا الخالق العظيم؛ ولذلك فإن كل ما يوصل إلى الله تعالى في هذا المجال يُعَدُّ إيمانًا، وفي المقابل فإن الإيمان بالغيب سيجعله في اتساق ورحمة ومحبة ونُبل مع هذا الكون الذي يسبح الله تعالى ويسجد له، كما سيعلمه أيضًا سعة الأفق، وأن عليه أن لا يسارع إلى إنكار الحقائق قبل البحث والتأني والنظر والدراسة، كما يقول تعالى واصفًا المكذبين: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾.
اقرأ أيضًا: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده» ما المقصود من الحديث؟