هل الروح هي التي تعذَّب أم النفس؟ شيخ الأزهر يُجيب
أحمد العلامي مصر 2030سأل أحد المواطنين دار الإفتاء، يقول: هل الروح هي النفس؟ وهل الروح هي التي تعذب أم النفس؟
وأجابت دار الإفتاء على لسان فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية الأسبق، على سؤال هل الروح هي النفس بقوله: «إن لفظ الروح والنفس من الألفاظ التي تؤدي أكثر من معنًى، وهما في الواقع متغايرتان في الدلالة بحسب ما يحدده السباق والسياق واللحاق، وإن حلَّت إحداهما محلَّ الأخرى في كثير من النصوص الشرعية، لكن على سبيل المجاز وليس الحقيقة».
اقرأ أيضًا: استعد.. كنز عظيم بشَّر به النبي ﷺ تحصل عليه في ليلة النصف من شعبان «فيديو»
وأكمل شيخ الأزهر الأسبق: «الروح المسؤول عنها هي ما سأل عنها اليهودُ فأجابهم الله تعالى في القرآن بقوله: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]؛ فهذه الروح التي يحيا بها الإنسان هي سِرٌّ أودعه الله في المخلوقات واستأثر في علمه بكنهها وحقيقتها، وهي التي نفخها في آدم عليه السلام وفي ذريته من بعده.أما مسألة العذاب فقد ورد في السنة ما يدلُّ على أن العذاب للنفس يكون يوم القيامة، وأن عذاب الروح وحدها يكون بعد مفارقتها للجسد بالموت، وأن الروح بعد السؤال في القبر تكون في عليين أو في سجِّين، وهذا لا ينافي عذاب القبر للروح والجسد لمن استحقه، كما جاء ذكره في الأحاديث الشريفة».
وشدد جاد الحق، على أنه لا ينبغي الاشتغال بما استأثر الله بعلمه من الروح والنفس؛ حتى لا يكون ذلك سببًا في الزيغ والضلال بعد الهداية والاعتدال؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36].
اقرأ أيضًا: إذا دُعِيَ به أجابْ.. اسم الله الأعظم من القرآن الكريم وأحاديث النبي ﷺ
شرح الفتوى والتدليل
وأشار فضيلة الإمام الأكبر، إلى اختلاف العلماء في الروح والنفس، هل هما شيءٌ واحدٌ؟ أو هما شيئان متغايران؟ فقال فريق: إنهما يطلقان على شيء واحد، وقد صحَّ في الأخبار إطلاق كلٍّ منها على الأخرى، من هذا ما أخرجه البزَّار بسند صحيحٍ عن أبي هريرة: "إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين فَوَدَّ لو خرجت -يعني نفسُه-، والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض"، فهذا الحديث يؤيد إطلاق الروح على النفس والنفس على الروح.
ولفت إلى أن الفريق الآخر من العلماء قال: إنهما شيئان؛ فالروح ما به الحياة، والنفس هذا الجسد مع الروح، فللنفس يدان وعينان ورجلان ورأس يديرها وهي تلتذ وتفرح وتتألم وتحزن، فالروح جسمٌ نورانيٌّ علويٌّ حيٌّ يسري في الجسد المحسوس بإذنِ الله وأمرِه سريانَ الماء في الورد لا يقبل التحلُّل ولا التبدل ولا التمزق ولا التفرق، يعطي للجسم المحسوس الحياة وتوابعها، ويترقى الإنسان باعتباره نفسًا بالنواميس التي سنَّها الله وأمر بها؛ فهو حين يولد يكون كباقي جنسه الحيواني لا يعرف إلا الأكل والشرب، ثم تظهر له باقي الصفات النفسية من الشهوة والغضب والمرض والحسد والحلم والشجاعة، فإذا غلبت عليه إنابته إلى الله وإخلاصه في العبادة تغلَّبت روحه على نفسه فأحبَّ الله وامتثل أوامره وابتعد عما نهى عنه، وإذا تغلبت نفسه على روحه كانت شقوته.
اقرأ أيضًا: فتاوى رمضان.. احتلمت في الصِّيام فهل عليَّ القضاء؟
ومضى جاد الحق: «الروح المسؤول عنها هي ما سأل عنها اليهودُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فأجابهم الله في القرآن بقوله سبحانه: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]؛ فهذه الروح التي يحيا بها الإنسان قد استأثر الله في علمه بكنهها وحقيقتها لم يخبر بذلك أحدًا من خلقه ولم يعط علمه العباد، وهي التي نفخها في آدم وفي بنيه من بعده وهي من خلق الله سرٌّ أودعه في المخلوقات، فلفظ "الروح" و"النفس" من الألفاظ التي تؤدي أكثر من معنًى يحددها السباق والسياق واللحاق، وهما في الواقع متغايرتان في الدلالة حسبما تقدم، وإن حلَّتْ إحداهما محلَّ الأخرى في كثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، لكن على سبيل المجاز لا الحقيقة، وقد اختلف أهل العلم في الروح هل تموت أو لا تموت؟ فذهبت طائفة إلى أنها تموت؛ لقول الله سبحانه: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88]، وقالت طائفة أخرى إنها لا تموت؛ للأحاديث الدالَّة على نعيمها وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله تعالى إلى الجسد».
اقرأ أيضًا: احذري الدجَّالين والسحرة.. وعيد شديد من النبي ﷺ لمن يفعل هذا الأمر
اقرأ أيضًا: ما حكم زيارة أضرحة آل البيت ومقامات الصالحين؟ دار الإفتاء تُجيب
وأفاد شيخ الأزهر الأسبق، بأن مستقر أرواح الشهداء في الجنة، وأرواح أطفال المؤمنين ما هو قريب من ذلك، وأرواح غير المسلمين والمؤمنين في سجين (النار)، وفي كل هذا تُرْوَى أخبارٌ وآثارٌ تُطَالعُ في محلِّها من كتب الحديث، وإذا كان هذا المعنى هو الوارد في المنقول، والثواب والعقاب أمر غيبيٌّ مفوَّض إلى الله سبحانه، وإذا كانت الروح بعد افتراقها عن الجسد هي التي تذهب إلى الجنة أو إلى سجين كما جاءت الأخبار، كان العذاب للروح حتى يبعث الناس يوم القيامة، فيكون الثواب والعقاب للنفس التي هي الإنسان أي الجسد والروح معًا؛ اقرأ إن شئت قول الله تعالى: ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 25]، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ [آل عمران: 30]، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [هود: 105]، وقوله تعالى: ﴿وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [النحل: 111]، وقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ • ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ [الفجر: 27-28]، فهذه الآيات وأمثالها مما جاء في القرآن الكريم، وما جاء في السنة كل أولئك يدلُّ على أن العذاب للنفس إنما يكون بعد البعث من القبور والنشور يوم القيامة، أما عذاب الروح وحدها فبعد مفارقتها للجسد بالموت، وبعد السؤال في القبر تكون في عليين أو في سجِّين، وهذا لا ينافي عذاب القبر للروح والجسد لمن استحقه، كما جاء ذكره في الأحاديث الشريفة.
واختتم فضيلته، حول الروح والنفس بما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قبرين، فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير»، ثم قال: «بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله» رواه البخاري، وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة خلافًا لابن حزم وابن هبيرة.