البقيع الثاني.. «البهنسا»: متحف تاريخي مفتوح بالمنيا| صور
المنيا - دعاء علي مصر 2030تبقى البهنسا من أهم المزارات الدينية والسياحية على مر العصور، فهي مزيج من التنوع والاختلافات، مابين المعتقدات والعلم والخرافة، والتدين والتبرك والاهتمام بالأثر والاعتداء عليه.
وتقع منطقة "البهنسا" جغرافيا غرب مدينة بني مزار بـ16 كيلومتر شمال محافظة المنيا، فهي من أهم المناطق الأثرية بالمنيا ومصر بأكملها، حيث تضم تاريخ يجمع كل العصور، بداية من العصر الفرعوني مرورا بالعصرين الروماني والقبطي وصولا للعصر الإسلامي.
"بئر السبع بنات" من أهم المزارات بالبهنسا، فكانت مجموعة من القبور التي تضم 7 بنات وفي روايات 70 ، حيث كانوا يرون الزلط على الأرض عليه دم مسال جاف معتقدين انه دم الـ7 بنات المحاربات مع صحابة رسول الله أثناء الفتح الإسلامي.
قالت خديجة محمود، سيدة مسنة من سكان القرية، أن الدحرجة أو المراغة بحسب تعبيرها، يتبرك بها أهل البهنسا، فهي أرض منحدرة يذهب اليها المرضى معتقدين الشفاء بالتبرك بها، والسيدات اللواتي ترغبن في الحمل والبنات التي تأخر بهن سن الزواج، معتقدات انهن إذا تدحرجن عند السبع بنات يأتيهن الفرج وما يتنمنون، وكل من له مطلب من الله يذهب يوم الجمعة إلى أرض البهنسا ليبرك بها.
وقال أحد الزائرين للبهنسا، إننا نأتي إليها لنتبرك بأرضها التي مات ودفن بها الصحابة محاربي غزوة بدر، وندعو الله عند مقابرهم واضرحتهم، لنخرج منها شاعرين براحة نفسية عظيمة، موضحا أن أهل القرية يستقبلون الزائرين بترحاب وحفاوة شديدة.
يضيف آخر، ظللت 9 أشهر مريض وكنت أذهب إلى الأطباء، حتى وصف لي أحد جيراني وقال لي "روح لسيدك أبو سمرة في البهنسا"، معتقد أنني سيشفيني الله بالتبرك به، وبالفعل ذهبت إليه وحدثت المعجزة وشفاني الله من مرضي.
يؤكد الدكتور أحمد عبد القوي، أستاذ التاريخ الإسلامي، أن البهنسا بحسب المراجع التاريخية، كانت عاصمة الإقليم التاسع عشر بمصر في العصر الفرعوني، حيث كان لها ثقل تجاري وإداري كبير، وكانت تبعد عن الواحات بحوالي 160كم، مشيراً إلى أن الواحات كانت تتبع البهنسا إداريا في تلك الفترة، ويصل بينهما "درب البهنساوي" الذي كانت تمر به طرق التجارة والمواصلات آنذاك، عاصمة الإقليم الأوسط الروماني، حتى اصبحت عاصمة مدينة كبيرة في العصر الاسلامي، وكانت تساوي عواصم المحافظات حاليا.
وأضاف:«كانت تشمل من الواسطى بني سويف شمالا حتى سمالوط جنوبا، ولذلك كانت محافظة بني سويف بأكملها تتبع البهنسا قديما، بالإضافة الى القسم الشمالي من المنيا، ولكنها تحولت إلى قرية بحسب التقسيمات الإدارية».
وتابع«جميع الحفائر المكتشفة بالبهنسا من قبل البعثات الأجنبية طالعتنا على عظمة وأهمية هذه الأرض، حيث كشفت عن مباني ثابتة وتحف منقولة من خزف وفخار ومنسوجات، وأشهرها 200 عملة ذهبية مكتشفة عن طريق متحف الكويت الوطني»، مؤكدا انها تضم برديات كثيرة كمؤلف اجنبي يتكون من 33 جزء عن البهنسا خلال العصرين الروماني واليوناني، وهناك أيضا برديات عربية تبين مكانة البهنسا في الصناعة أثناء العصر الإسلامي، حيث كانت مركزاً كبيراً في صناعة النسيج وكان يوجد اكثر من 30 فرن لصناعة الخزف والفخار تحت ثرى البهنسا، بالإضافة إلى بقايا المسرح الروماني، وبحسب المراجع مساحته كانت 4 أضعاف مسرح الاسكندرية ومكانه اليوم أصبح ارض فضاء، ويقية من العامود الروماني.
وما هو مثبت في المصادر التاريخية الإسلامية، أن عمرو بن العاص ارسل قيس بن الحارث وعسكر بمنطقة "القيس"، وهي قرية موجودة إلى الان بين مدينة بني مزار والبهنسا، حيث كانت الأسوار شديدة التحصين وابراج الحامية الرومانية تقاتل بمثابة حصن يدافع عن الصعيد، الأمر الذي أدى إلى سقوط عدد كبير من الشهداء المسلمين ولذلك عرفت بمدينة الشهداء ويطلق عليها الآن "البقيع الثاني".
أوضح أحد المسنين من القرية، كان أول من سكن أرض البهنسا من القبائل العربية، قبيلة تنتسب الى الصحابي الجليل أبو بكر الصديق، وأخرى تنتسب إلى أبي ذر الغفاري، وقبة لضريح آبان بن عثمان بن آبان بن عثمان بن عفان حفيد سيدنا عثمان بن عفان، وضريح الأمير زياد بن الحارث بن عبد المطلب، ابوه بن عم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، والقعقاع بن عمرو، وابو القاسم بن الخطاب وسيدي ميسرة، ومحمد بن عقبة بن عامر الجهني والذي يعرف بـ "ضريح البدريين"، والذي يحوي مقابر الصحابة والتابعين، وبعض ممن حضروا غزوة بدر على قبر من الحجر الجيري يتوسط أرض الضريح، وعليه هذه المجموعة من الأسماء.
وضريح علي الجمام "الأسعد ابو البركات" قاضي قضاة ولاية البهنسا، يعد مقصد من أهم آثار البهنسا، والتي يتبرك بها الزائرين، وضريح السيدة خولة بنت الأزور، حيث جاءت في معركة فتوح البهنسا مع الفتح الإسلامي لمصر.
أوضح الدكتور كمال عبد الحميد، أحد سكان القرية، أن البهنسا تعتبر مركز شمال الصعيد، حيث توجد على تقاطع الطريق الصحراوي الغربي القاهرة أسيوط مع محور البحر الأحمر الشيخ فضل البهنسا البويطي جغبوب ليصل الى ليبيا، مضيفا ان البهنسا وطأت ارضها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الباقين من محاربي غزوة بدر، الذين جاءوا في الفتح الإسلامي مع عمرو بن العاص، ليفتحوا مصر من ناحية الجنوب "البهنسا"، ويدفنوا بها لذلك سميت البقيع الثاني، نسبة إلى محاربي بدر.