وزير الأوقاف: التقوى تهذّب النفوس فلا يكون هناك نزاع ولا شجار ولا فرقة


أوضح الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، في حلقة جديدة من برنامجه "اللؤلؤ والمرجان" معاني ودلالات الجزء التاسع عشر من القرآن الكريم، ليبيَّن بعضًا مما فيه من العلوم والمعارف والهُدى، ويتوقف عند عدد مما أودعه الله تعالى في هذا الجزء من اللؤلؤ والمرجان، والقيم، والحقائق، والمعاني.
استعرض وزير الأوقاف في وقفة تأملية قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (الفرقان: ٧٤)، موضّحًا أنَّ هذه الآية الكريمة تأتي في خواتيم سورة الفرقان، حيث يصف الله تعالى أوصافًا متعددة لعباده الذين قال فيهم: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَٰهِلُونَ قَالُوا سَلَٰمًا﴾ (الفرقان: ٦٣).
ويستمر الحق سبحانه في وصف عباد الرحمن في مقطع مطوّل من خواتيم السورة، حيث يبيّن صفاتهم الزاكية، وأخلاقهم الراقية، وسلوكهم الحسن، وعقولهم الراجحة، ومن ضمن هذه الصفات أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء لأنفسهم ولذرياتهم، يسألونه النفع والتقوى، فيقولون:
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.( الفرقان ٧٤).
ويطرح هنا سؤالًا: لماذا أفرد الله تعالى لفظ "إمامًا"؟
لماذا قال: "وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" بصيغة المفرد، ولم يقل: "وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ أَئِمَّةً" بصيغة الجمع؟
ولفت الوزير إلى أن الله -سبحانه وتعالى- أفرد اللفظ؛ لأن مشرب المتقين مشرب واحد، وكأنَّ المتقين جميعًا ينصهرون في شخص واحد، إذ إن التقوى تهذّب النفوس، فلا يكون هناك نزاع ولا شجار ولا فرقة، فتجتمع قلوبهم، تمامًا كما قال النبي ﷺ: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد".
فكأن هذا المعنى ينعكس في الآية الكريمة، حيث جعل الله المتقين كيانًا واحدًا، وكأنهم شخص واحد، فقال: "وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا".
ويطرح أيضا سالًأ آخر، لماذا قال تعالى: "إمامًا" ولم يقل: "مؤتمًّا بالمتقين"؟ كان يمكن للإنسان أن يدعو قائلًا: "يا رب، اجعلني مقتديًا بالمتقين، متأسيًا بهم، متبعًا لهم".
يوضح الدكتور أسامة الأزهري أن الله -سبحانه وتعالى- يرفع الطموح في هذه الدعوة، فيجعل الإنسان لا يكتفي بأن يكون مقتديًا، بل يطلب أن يكون إمامًا للمتقين.
واستشهد بتفسير الإمام مجاهد بن جبر -رضي الله عنه-، أحد أئمة التفسير، وتلميذ عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، إذ يقول: إنَّ في هذه الآية تفسيرًا عجيبًا، إذ يقول: "واجعلنا للمتقين إمامًا" أي اجعلنا مؤتمّين بالمتقين.. بمعنى أن الإنسان لا يصل إلى درجة أن يكون إمامًا للمتقين من بعده إلا إذا كان هو نفسه قد ائتَمَّ بالمتقين من قبله.