”نحن في أوروبا لسنا سوى أقزام”.. هكذا جاء وصف شامبليون عندما زار معبد الأقصر


يعد معبد الأقصرصرح عظيم يحكي تاريخ أقدم حضارة شهدتها البشرية على مر العصور، إذ يقع هذا الصرح الكبير في محافظة الأقصر أو "طيبة القديمة"، كما كان يطلق عليها، وتأسس سنة 1400 قبل الميلاد، كما تم تشُييده لعبادة آمون رع وزوجته موت وابنهما خنسو.
يعتبر المعبد من أشهر وأفضل المعابد المصرية حفظًا وجمالاً، ما جعل العديد من زوار هذا الصرح الكبير يتحاكون به على مر التاريخ، ومن بين هؤلاء الزوار العالم الفرنسي شامبليون والذي زار مصر عام 1828.
أذهل شامبليون بجمال وفن العمارة بمعبد الأقصر، وهذا ما اتضح من رسالته التي أرسلها لشقيقه "جاك-جوزيف"، بتاريخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1828، والتي وردت ضمن "الرسائل واليوميات خلال رحلة مصر" التي جمعتها المؤرخة هرمين هارتلبن حيث يقول شامبليون في نص رسالته الآتي:
"رأيت قصر الأقصر العملاق، تنتصب أمامه مسلتان ارتفاع كل منهما 80 قدمًا (حوالي 24 مترًا)، نحتتا بإتقان من كتلة واحدة من الجرانيت الوردي، فضلًا عن أربعة تماثيل ضخمة لرمسيس الأكبر من الجرانيت الوردي أيضًا".
ويضيف شامبليون :
"يعجز لساني عن وصف واحد من ألف ما يجب وصفه عند التعرض لمثل هذه الأشياء، فإما أن يظنني الناس مفعمًا بالحماس أو معتوهًا مجنونًا إذا نجحت في إعطاء صورة ولو شاحبة هزيلة عنها... اعترف أننا في أوروبا لسنا سوى أقزام، وأنه لا يوجد شعب، قديمًا أو حديثًا، بلغ فهم وتصور فن العمارة بمثل هذه الدرجة الرفيعة التي بلغها المصريون القدماء."
شامبليون سجل في مراسلاته أنه شاهد مسلتان و4 تماثيل عملاقة للملك رمسيس الثاني، وكان هيرودت وصف المعبد بوجود مسلتان و6 تماثيل عملاقة، ثلاث من كل جهة من مدخل المعبد، ولكن ما تبقى الآن هي مسلة واحدة وثلاث تماثيل فقط.
ونقل شامبليون مسلة من المسلتان إلى باريس، لتوضع في ميدان الكونكورد هناك قائلًا: "ستصبح فرصة عظيمة لعرض أثر مثل هذا القدر من الروعة في فرنسا بدلًا من الأشياء التافهة والزينة الرخيصة التي نسميها نحن بكل زهو آثارًا وطنية، والتي تصلح بالكاد لتزيين صالونات صغيرة... إن كتلة كتلك المسلة المهيبة تكفي بمفردها للتأثير بشدة على العقول والأعين، كما أن عمودًا واحدًا من أعمدة الكرنك يعد أثرًا بمفرده أكثر من الواجهات الأربعة لفناء متحف اللوفر".
كما منح "محمد علي" مسلة كليوباترا هدية لشامبليون، ولكنه عندما رأى مسلة الأقصر بهر بها وطلب منه أن ياخذها بدلًا من مسلة كليوباترا، وذهبت المسلة إلى الأبد لتزين ميدان الكونكورد، ليصبح بعد ذلك أهم ميدان في فرنسا يجمع بين الحضارة المعاصرة والأصالة القديمة لتاريخ أعظم حضارة وجدت على الأرض وهي "حضارة أرض كيميت".