همس القوارير.. مجموعة قصصية للكاتبة تركية عبدالحفيظ ودراسات حولها بمعرض القاهرة ال56
خالد الشربينى مصر 2030صدرت حديثا للكاتبة الدكتورة تركية عبد الحفيظ مجموعتها القصصية "همس القوارير"، عن دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع، وعلى هامشها كتاب يضم مقالات ودراسات حولها، ليكونا متاحين لجمهور الثقافة بمعرض القاهرة الدولى للكتاب بدورته 56.
يضم الكتاب الأول "همس القوارير" مجموعة قصصية متميزة نقرأ منها واحدة بعنوان:
" وأصبحت شاعرًا يا جنان" :
كنت مستغرقا في مراجعة بعض مواد الصحيفة التي أرأس تحريرها حينما صرخت زوجتي
- ضربوا العرااااااق
نزلت من مكتبتي مسرعًا حتى كدت أسقط من أعلى الدرج، كان شاكر حامد مراسل قناة أبو ظبي يصرخ:
- ما هي المضادات الأرضية تطلق صواريخها و.....
انتفض قلبي وأنا أرى بغداد تشتعل، صفارات الإنذار يرتفع عواؤها المخيف، القنابل تتساقط، الانفجارات تتوالى أصوات سيارات الإسعاف والمطافئ تختلط مع صرخات شاكر حامد.
انتقلت إلى قناة (الجزيرة)، وجدت مراسلها أيضًا في حالة هلع، أخذتُ أضغط على الريموت كنترول "بحثا عن حاكم عربي يقول : لا ، فلم أجد أحدا في الفضائية المصرية فيلم كوميدي لإسماعيل ياسين استمر عرضه ولم يتوقف، بينما أشقر الشعر يوري مرقدي" يصرح في إذاعة دولة عربية: عربي أنا، فاخشيني، وبلا إذا....
عدت إلى أبو ظبي لأتابع أخبار القصف، انقبض صدري وأنا أرى الصواريخ تدق العراق؛ عراق دجلة والفرات، وناظم الغزالي والجواهري، والبياتي والسياب، وجنان.. آه يا حبة القلب، كلما أسمع صراخ عراقية في إحدى نشرات الأخبار التي أصبحت لا أتحرك من أمامها ليل نهار - أقول: لعلها جنان
أكثر من مرة أبدأ في ضغط أزرار الهاتف طلبا لمهاتفتك وفي كل مرة أتراجع لعله الخوف من ألا أجدك، وحينما قصفت محكة الاتصالات ندمت على ضياع فرصة الاتصال وليلة قصف وزارة الإعلام نزلت دموعي غزيرة، أخرجت صورك التي صادرتها زوجتي فترة من الزمن، وأخذت أتأملها، ذكرتني بأوقات جميلة عشتها بقربك أيام مهرجان المربد الشعري، كنت رقيقةً كمياه دجلة وصافية كسمائها، تسكعت معك في شوارع بغداد شارعًا شارعًا، زرنا متاحفها ومكتباتها وأسواقها الشعبية، أنام، وآخر صوت أسمعه عبر هاتف غرفتي بفندق فلسطين، هو صوتك، تقترحين علي جولة الغد، وأصحو على نغم صوتك:
"صباح الخير عيني"
عيوني.. عيني.. قلبي.. كلمات لم أعتدها في بلادي من أي زميلة أو صديقة فهي بحكم المحرمات، ولا تقال إلا سرا، فهل رأيتِ العَرَقَ الذي أخذتُ أمسحه ويأبى أن يتوقف يوم تعارفنا، وأسمعتني هذه الكلمات التي لا تفارق لسانك العذب؟
واكتشفت بعد ذلك أن موظفة الاستقبال في الفندق تقولها، وسائق التاكسي، وأهل بغداد كلهم يقولونها، وعرفت لم الجواهري ومظفر النواب والسياب ونازك الملائكة وسعدي يوسف شعراء.
سألتني مرة:
- أتقرض الشعر ؟
قلت لك :
- للأسف .. لا
استغربت، ولم تُصدقي، وقلت:
هدوؤك، رقتك، وكلامك الحلو، ولست بشاعر !
اليوم يا جنان صرت شاعرًا، وللأسف، فالعرب لا يملكون إلا الشعر.
ابتسامتك - في الصورة التي جمعتنا معا جالسين في بهو الفندق - لم أر أجمل منها، عيناك الرائعتان التقت في لحظة واحدة مع عيني، فشدتاني بمغناطيس غريب، لم أستطع معه رفعهما باتجاه المصور، فما كان منه إلا أن فضح انبهاري بك وكان ثوبك قصيرًا يكشف عن ساقين مرمریتین تستند إحداهما إلى جانب الأخرى، أما حذاؤك فأثار سنى الحصار بادية عليه، ولا يزال بغبار الطرق التي عبرناها معا.
زوجتي وهي تمارس عملها الروتيني في كل عودة لي من السفر، وقعت عيناها على هذه الصورة، فقامت القيامة؛ إذ أشعلت نيران غيرتها من دون الصور، فصورهن كثيرة؛ هذه شاعرة، وهذه قاصة، وهذه مخرجة، وهذه إعلامية، وهذه زوجة فلان، وهذه أخت فلان.. فقالت:
- ومن هذه؟
ن
ـو
- صحفية.. أجرت معي لقاء.
- ما اسمها ؟
- جنان
عندما نطقت باسمك ارتعش لساني، ولعلها شعرت بتوتري ...
- يا عيني!!
وشتان شتان ما بين عيني) التي تقولينها وعيني) تهكم الزوجة الغيورة وانهالت علي أسئلة تحقيقها :
- لماذا تضع عينيك في عينيها ؟!
- لماذا لديك معها أكثر من صورة ؟!
- لماذا ... ولماذا ..؟
ولها كل الحق في هجومها، فجمالكِ فجرها، خافت أن تكوني قد احتللت مكانها في القلب، ولكن أين لها أن تعلم أن روحك قد امتلكتني، فبقيت أيامًا مأخوذا بسحرك، وتعابيرك: عيني، قلبي، أسمعها قريبة فألتفت يمنة ويسرة، فلا أجد أحدا!
وعاودت زوجتي تحقيقها مجددًا، لأني دائم الحديث عنك بقصد أحيانًا، وبدون قصد أحيانًا أخر؛ كأن أناديها:
جنان
حاولت التستر عن ذلك بأنه إثارة لغيرتها فقط هو أنا ناقص؟! قلت لها : إنك مثقفة وراقية، وعرضت عليها أن تتعرف عليك، وتحديتها بأنها ستعجب بك مثلي تماما، فكان اتصالنا بك ليلتها، وليلة مغول العصر يمطرونكم بوابل من القنابل والصواريخ كانت تبكي بشدة، وتقول:
- زعمه وین جنان؟
في الوقت نفسه كان قلبي يعتصره هذا السؤال.
وتجربة تركية عبد الحفيظ الواسعة تحتاج لتأمل وقراءة، فبعد إعادة طبع همس القوارير، والتي صدرت طبعتها الأولى في 2003، وطبعتها الثانية في 2005، سنقابل سيلا إبداعيا جديدا لها يترافق مع أعمالها في الشأن الاجتماعي، وهي كثيرة ومتشعبة خاصة في إطار مركزها البحثي «أطوار»، وكذلك «درجات». هكذا تقول الكاتبة الصحفية ولاء أبو ستيت، عن الكاتبة الليبية المتميزة.
"على هامش الهمس" هو الكتاب الثاني ويضم مقالات ودراسات بأقلام أسماء كثيرة تقدم للعمل، فمن ليبيا يأتي الدكتور علي فهمي خشيم والدكتور زياد علي، خليفة حسين مصطفى كامل عراب محمد بشير السوكني، عبد الحكيم المالكي، رزان نعيم المغربي، طاهر بن طاهر حمد المسماري، شريفة القيادي، أحمد نصر نادرة العويتي، جلال عثمان، عايدة الكبتي»، إضافة إلى «إبتسام التريسي، عبد الجليل غزالة، ساسي حمام»، وحوار أخبار الأدب الذي أجراه الأستاذ حسن عبد الموجود.
وتشارك دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع، بمعرض القاهرة الدولى للكتاب بدورته 56، في الفترة بين 23 يناير و 5 فبراير 2025 تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، بما يزيد عن 150 عنوانا جديدا من إصداراتها، عبر جناحها المتواجد في صالة 2 جناح c-23.