ملتقى الجامع الأزهر: اختزال الحياة الزوجية في الأمور المادية هو قصور في فهم قيمة هذه العلاقة السامية
محمود عبد الرحمن مصر 2030عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء بالجامع الأزهر، ملتقى السيرة النبوية الأسبوعي تحت عنوان «زواج مبارك وأصل شريف»، بمشاركة الدكتور خالد عبد النبي عبد الرازق، والدكتور أسامة مهدي، أستاذ الحديث، بكلية أصو الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأدار الملتقى الشيخ وائل رجب، الباحث بالجامع الأزهر، وحضور عدد من الباحثين وجمهور الملتقى من رواد الجامع الأزهر.
وفي بداية الملتقى قال الدكتور خالد عبد النبي عبد الرازق، إن جميع أحوال الناس تجد لها مرجعا في سيرة الني ﷺ، فالناظر في سيرة النبي ﷺ يجد أن الله سبحانه وتعالى جمع فيها أحوال العباد، ويمكن تشبيه السيرة النبوية بأنها سورة الفاتحة بالنسبة للقرآن، فكما أن سورة الفاتحة جمع الله فيها مقاصد القرآن كله، كذلك سيرة النبي ﷺ جمع الله فيها أحوال الزمان، فما من حادثة من حوادث الزمان إلا وتجد لها مرجعا في سيرة النبي ﷺ، ، كما أن الله سبحانه وتعالى جعلها نموذجًا تطبيقيًا لأحكام القرآن الكريم، لذلك عندما سئلت السيدة عائشة عن النبي ﷺ، قالت: "كان خلقه القرآن".
وأوضح الدكتور خالد عبد النبي، أن قصة زواج النبي ﷺ من السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، تميزت بأنها جمعت بين شرف الأصل وعراقة النسب، فالنبي ﷺ خيار من خيار، والسيدة خديجة قد وصفها العلماء بأنها الحكيمة والنسيبة الحازمة، وفي قصة زواج النبي ﷺ من السيدة خديجة دلالة مهمة فيما يتعلق بالكفاءة بين الزوجين، لما يترتب عليه من أثر في الأولاد، فالسيدة خديجة تنحدر من أصل طيب، وقد روي أن جدها قصي بن كلاب الذي كان من أشراف العرب وكان زعيما لهم، وهي تجتمع مع الرسول ﷺ في هذا النسب، وكان لوالدها موقف شجاع عندما حال بين ملك اليمن "تبع" وبين أن يأخذ الحجر الأسود من الكعبة المشرفة، ويذهب إلى اليمن، كما ورثت من والدتها فاطمة بنت زائدة بن الأصم، العقل والحكمة، وما يدل على رجاحة عقلها وحكمتها أنها عملت بالتجارة، لعلمها بكيفية تدبير مصالح العباد وإدارة الأموال، لهذا كانت ذات مكانة كبيرة في مجتمعها لأنها جمعت بين الأصل والشخصية المتميزة.
وبين الدكتور خالد عبد النبي، أن النسب الزكي يستفيد منه الأولاد ويستفيد منه الزوج، فالأولاد عندما يربون بين يد نسب زكي، يتعلمون من مأثور أجدادهم ويحافظون على نهجهم في الحياة، وخير دليل على ذلك سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، رضى الله عنهما، فكان لأفضلية الأصل أفضلية الفرع، ويستفيد منه الزوج فنجد أن النبي ﷺ فعراقة نسب السيدة خديجة دفعتها لأن تؤازر النبي ﷺ بمالها وبنفسها، كما أنها ملأت بيت رسول الله ﷺ سكينه وهدوءا ورحمة، ونلاحظ ذلك عندما نزل على النبي ﷺ الوحي، وجاء إلى السيدة خديجة وقال: لقد خشيت على نفسي. قالت له خديجة: كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً"، مضيفًا أن النسب الزكي يمتد أثره حتى بعد رحيل أحد الزوجين، فنجد أن النبي ﷺ كان يقول عن خديجة رضى الله عنها عندما قالت له السيدة عائشة " قد أبدَلَكَ اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منها" فقال ﷺ " ما أبدَلَني اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ".
من جانبه أكد الدكتور أسامة مهدي، أستاذ الحديث، أهمية أن يبنى اختيار الزوجين على الحسب الطيب والأصل الزكي، وهو ما نلاحظه في زواج النبي ﷺ من السيدة خديجة رضى الله عنها، ليؤسس لبناء الزواج على قواعد راسخة، والأفكار التي نجدها في عقول الشباب اليوم حول آليات الاختيار، هي أفكار مادية بثها أعداء الإسلام في مجتمعاتنا، ولكن الزواج الصحيح هو الزواج الذي يبنى على المعايير التي جاءت في السنة والتي جعلها النبي ﷺ نماذج عملية حتى يسهل علينا فهمها وتطبيقها، ويجب أن تبنى بيوتنا على المودة والرحمة، وأن تزين بالحوار والتفاهم بين الأزواج.
وأوصى أستاذ الحديث، الأزواج بأهمية الاهتمام بالجانب الروحي في الحياة الزوجية، أما اختزال الحياة الزوجية في الأمور المادية فهو قصور في فهم لقيمة هذه العلاقة السامية، هذا الجانب هو الذي يبقى في العلاقة ويجعلها مستقرة، وعند استعراض زيجات النبي ﷺ نجد أنها بنيت وقامت على هذا الجانب الإنساني، كما أنها اختيار لحكمة من الله سبحانه وتعالى، لهذا كان لأمهات المؤمنين رضى الله عنهم أثر طيب في السيرة النبوية المشرفة، لأنها اختيارهم جاء جامعا بين الأصل الطيب وطيب المعاملة الحسنة بينها وبين رسول الله ﷺ، موضحًا ضرورة أن نتأسى بالنبي ﷺ في علاقته بزوجاته وحسن العهد لذلك قال ﷺ "حسن العهد من الإيمان"، فإذا راعينا هذه الأمور ستتلاشى كل الخلافات الزوجية ولن يصبح هناك شقاق بين الأزواج.
وأضاف الشيخ وائل رجب، الباحث بالجامع الأزهر، أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم، قام على شرف النسب ونبل الخلق، لهذا كان زواجًا مثاليًا، حتى أن عمه أبا طالب لما تحدث في شأنه يوم خطبة السيدة خديجة فقال: إنّ محمّدا بنّ عبدِالله من لا يوزن به فتى من قريش إلا رجح عليه برًّا وفضلا وكرما وعقلا وإن كان في المال قُلٌّ، فإنّ المال ظلٌّ زائلٌ، وعارية مسترجعة، وله في خديجة بنتِ خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك" لم يجد من ينكر عليه قوله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم من خيار الناس أصلًا ونسبًا، ويبرهن على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم"، كما أن خصوم النبي صلى الله عليه وسلم وأعداءه شهدوا له بنبل الأخلاق وحسن السمعة، والسيدة خديجة اشتهرت بين نساء العرب بنبلها وكرمها، ويقول ابن حجر عنها " وكان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها، فآثرت أن تتزوج برسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأصابت بذلك خيري الدنيا والآخرة"،
يُذكر أن ملتقى "السيرة النبوية" الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وإلقاء الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته وكيف كان يتعامل مع الناس وكيف كان يدبر شؤون الأمة، للوقوف على هذه المعاني الشريف لنستفيد بها في حياتنا.