«حرب استنزاف».. هل تغرق إسرائيل في مستنقع غزة؟
عبده حسن مصر 2030عادت القوات الإسرائيلية إلى مخيم جباليا في شمال غزة، لتنفيذ سلسلة من عمليات "إعادة التطهير" ضد حركة حماس، بعد مرور خمسة أشهر على إعلان إسرائيل انتصارها وسيطرتها على هذا المعقل التقليدي للحركة.
بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، عادت القوات البرية الإسرائيلية للتوغل في المخيم المكتظ بالسكان، بعد تلقيها معلومات تشير إلى عودة مقاتلي حماس وإعادة تجميع صفوفهم في المناطق التي كانت قوات الدفاع الإسرائيلية قد انسحبت منها سابقًا.
وأوضحت الصحيفة أن الهجوم الإسرائيلي السريع على غزة فتح الباب أمام معركة استنزاف شديدة الوطأة، مما أبرز مدى بُعد إسرائيل عن تحقيق هدفها العسكري الرئيسي، وهو التفكيك الكامل لحركة حماس.
وأضافت الصحيفة أن استئناف القتال العنيف في شمال غزة يأتي في الوقت الذي يمضي فيه الجيش الإسرائيلي قدمًا في حملته التي تواجه انتقادات واسعة في مدينة رفح الجنوبية.
وقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، هذه الحملة بأنها "المعركة الأخيرة" ضد آخر كتائب حماس.
كما أشار التقرير إلى أن المسؤولين الأمريكيين وبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية قدموا تقييمات صريحة حول فشل نتانياهو في التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في غزة.
وبرزت هذه الانتقادات وسط تصاعد المخاوف داخل الجيش الإسرائيلي من أن تكون مهمته تتحول تدريجيًا إلى إعادة احتلال المنطقة.
وقد دعا وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، رئيس الوزراء نتانياهو إلى تقديم التزام علني بأن إسرائيل لن تحكم غزة بعد انتهاء الحرب.
وأعرب غالانت عن مخاوفه المتزايدة من أن عدم إنشاء سلطة حكم بديلة لحماس قد يؤدي إلى خيارين أسوأين: إما بقاء حكم حماس أو سيطرة إسرائيلية مباشرة على غزة.
وقال غالانت: "قد تستعيد حماس قوتها طالما حافظت على السيطرة المدنية"، مشيرًا إلى أن الفشل في إنشاء حكومة بديلة يعادل الاختيار بين أسوأ بديلين: إما استمرار حكم حماس أو السيطرة الإسرائيلية على غزة.
و هذا السيناريو يثير القلق بشكل خاص في أوساط الجيش الإسرائيلي، الذي يخشى من التورط في احتلال طويل الأمد ومكلف، في الوقت الذي تبحث فيه الحكومة عن حلول أكثر استدامة لاستقرار المنطقة.
فيما تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة في ظل تصاعد الضغوط الداخلية والدولية على الحكومة الإسرائيلية لإيجاد حل دائم للصراع.
ويفاقم هذا الوضع تعقيدات المشهد السياسي والأمني في المنطقة، حيث تبقى حماس قوة فعالة على الأرض، رغم الجهود المستمرة لتقويض قدراتها.
وتظل التساؤلات قائمة حول كيفية تحقيق سلام مستدام في غزة وما إذا كانت الحلول العسكرية وحدها كافية لتحقيق ذلك.
وفي الوقت نفسه، تواصل الأطراف الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، دفع إسرائيل وحماس نحو طاولة المفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة تنهي دوامة العنف المستمرة منذ سنوات.
من جانبه، صرّح الباحث والمتخصص في أمن الشرق الأوسط لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والمعهد الملكي للخدمات المتحدة، إتش.ايه.
و هيلير، بأن "حماس، رغم تعرضها لتدهور كبير وجوهري، كمنظمة نشطة في غزة منذ الثمانينيات والتي حكمتها لأكثر من 15 عاماً، لن تختفي ببساطة".
وأضاف هيلير أن "القوات الإسرائيلية لم تتمكن من تحقيق النصر بعد مرور 7 أشهر من القصف والعمليات البرية من قبل واحد من أقوى الجيوش في العالم".
وأفادت صحيفة واشنطن بوست أنه بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من جباليا العام الماضي، شرعت حماس في حملة تجنيد لتأمين المساعدات وإنشاء مقر جديد هناك، وفقاً لشهادات السكان.
وقال أحد سكان جباليا، البالغ من العمر 42 عاماً، والذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: "هناك تواجد لرجال شرطة بملابس مدنية وليس بزي الشرطة".
وتشير إسرائيل إلى أن أربع كتائب تابعة لحماس لا تزال موجودة في رفح، حيث تقترب القوات الإسرائيلية ببطء من المناطق السكنية، رغم تهديدات الرئيس الأمريكي جو بايدن بقطع المساعدات العسكرية.
وقد حذر الخبراء العسكريون من أن إسرائيل قد تتجه نحو احتلال عسكري جديد، وهو سيناريو يشكل كابوساً للجيش الإسرائيلي، وقد يؤدي إلى توتر جديد في العلاقات مع واشنطن.
وقال يسرائيل زيف، وهو لواء متقاعد شغل منصب رئيس شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي، إن "البلاد تبدو عازمة على مواصلة حرب متعددة الفصول".
وأضاف أن المكاسب السابقة التي حققها الجيش الإسرائيلي "تبخرت" بسبب عدم وجود خطط سياسية، مضيفاً: "إذا كنت تعمل عسكرياً فقط دون أي حل دبلوماسي، فأنت داخل هذا المستنقع، إسرائيل عالقة داخل غزة".
وفي السياق نفسه، قال الخبير في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي، كوبي مايكل: "الخيار الوحيد الذي أراه هو إدارة عسكرية مؤقتة للقطاع، تتولى رعاية وإدارة الأراضي والسكان والمساعدات الإنسانية"، مشيراً إلى أن هذه الفكرة تُناقش الآن بجدية أكبر في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.