الحرب في غزة.. هل تُهدد بإشعال جبهات أخرى أكثر تدميرًا؟
عبده حسن مصر 2030بعد مرور أكثر من ستة أشهر على اندلاع الصراع الدامي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في قطاع غزة، والذي أسفر عن خسائر بشرية هائلة تضم أكثر من 33 ألف قتيل و76 ألف جريح بين الفلسطينيين، تبرز حاجة ماسة لإلقاء الضوء على الدور الذي يلعبه الرئيس الأمريكي جو بايدن في معالجة الوضع في الشرق الأوسط.
حيث تواجه المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة تحديات حاسمة، بينما تعرقل هجمات جماعة الحوثيين اليمنية حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، مما يضع ضغطًا على القوات البحرية الأمريكية المكلفة بالتصدي لتلك الهجمات.
وعلى الرغم من استمرار دعم الرئيس بايدن لإسرائيل بقوة، إلا أن علاقته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تدهورت بشكل واضح بعد شهور من التوتر.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يخوضها بايدن، فإن الحرب في غزة قد أثرت سلبًا على مكانته بين مؤيديه التقدميين في الداخل.
وفي تحليل نشرته وكالة "بلومبرغ"، أشار المحلل السياسي الأمريكي هال براندز، أستاذ كرسي هنري كيسنغر في جامعة جونز هوبكنز، إلى أن الأمور في الشرق الأوسط قد تزداد تعقيدًا وقبحًا، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تصاعد الأزمة، حيث يمكن أن تكون الحرب في غزة مجرد بداية لأزمتين أخريين، قد تكونا أكثر تدميرًا.
حيث تتعلق الأزمة المحتملة الأولى بتطور الصراع بين إسرائيل وميليشيا حزب الله اللبنانية.
ويشير براندز إلى أن الحكومة الإسرائيلية تفكر في شن ضربة استباقية ضد حزب الله بعد هجوم الفصائل الفلسطينية على المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة، ولكنها تراجعت بسبب إرسال الرئيس الأمريكي قوة بحرية إلى البحر المتوسط لدعم إسرائيل.
وأضاف الكاتب أنه يوجد قليل من الإسرائيليين الذين يرغبون في تحمل خطر احتمال هجوم حزب الله على شمال إسرائيل، مثلما حدث في هجوم حماس والفصائل الأخرى على جنوبها في السابق.
وقد أدى هذا الوضع إلى تحول العديد من المستوطنات والتجمعات السكنية في شمال إسرائيل إلى مدن أشباح، مع انتقال عشرات الآلاف من سكان هذه المناطق للعيش في أماكن أخرى داخل إسرائيل أو ببساطة بعيدًا عن الشمال.
ويشهد شمال إسرائيل وجنوب لبنان حالياً اشتباكات عنيفة متبادلة بين حزب الله وإسرائيل، دون أن تصل إلى مرحلة الحرب المفتوحة، لكنها تقترب من ذلك تدريجياً.
حيث يستخدم حزب الله الصواريخ المضادة للدبابات وأسلحة أخرى لاستهداف الجنود والمدنيين الإسرائيليين، بينما ترد إسرائيل بضربات على جنوب لبنان وسوريا بدعوى استهداف حزب الله والعناصر الإيرانية المدعومة له.
وكان الهجوم الأكثر درامية هو الغارة الجوية الأخيرة التي وقعت في الأول من أبريل الحالي، والتي استهدفت قنصلية إيران في دمشق وأدت إلى مقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، مما دفع طهران إلى إطلاق سيل من التهديدات بالانتقام من إسرائيل.
ويرى براندز أن اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله سيكون أكثر تدميراً من الأحداث التي تجري في غزة حالياً.
بما أن حزب الله يعتبر حليفًا حيويًا لإيران، فقد تنخرط إيران في الصراع بشكل أوضح.
وعلى الرغم من أن لدى حزب الله وزعيمه حسن نصر الله أسبابًا وجيهة لتجنب الحرب، إلا أنه قد لا يوافق على سحب قواته إلى نهر الليطاني كما تطالب إسرائيل.
لذلك، يجب على الجميع أن يكونوا يقظين للأزمة المحتملة على الحدود الشمالية لإسرائيل بعد انتهاء الاشتباكات الكثيفة في غزة، حيث ستتمكن حكومة إسرائيل من توجيه اهتمامها إلى التهديدات الأخرى.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان بالإمكان حل هذه الأزمة بالطرق الدبلوماسية أو بالقوة كما يهدد المسؤولون الإسرائيليون.
أما الأزمة الثانية التي تنتظر الشرق الأوسط بعد حرب غزة، فتتعلق بإيران التي تلعب دورًا في معظم الاضطرابات في المنطقة.
وعلى الرغم من أن إيران، مثل حزب الله، تفضل تجنب الحرب الشاملة والمباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن الوضع الراهن يتيح لها العديد من المزايا، حيث تستغل الفوضى في الشرق الأوسط لتقوية نفوذها وتطوير برنامجها النووي.
فعلى الرغم من بعض التعثرات الأخيرة، إلا أن البرنامج النووي الإيراني وصل إلى مستوى يسمح لطهران بامتلاك كمية من اليورانيوم عالي التخصيب تكفي لصنع 3 قنابل نووية في أقل من أسبوعين.
ومع ذلك، يتطلب صنع سلاح نووي قابل للاستخدام وقتًا أطول، وربما عامًا كاملًا، ولم يتوفر دليل دامغ على أن إيران تتخذ الخطوات اللازمة في هذا الصدد، لكن المخاوف بشأن هذه النقطة تتزايد.
ففي مارس الماضي، أشارت صحيفة "الغارديان" إلى شكوك بارزة في القيادة الإيرانية بشأن التزام طهران ببرنامج نووي مدني فقط.
وأكد الجنرال ميشيل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، أن حصول إيران على قنبلة نووية سيغير الشرق الأوسط إلى الأبد، حيث ستمنحها درعًا نوويًا لدعم حلفائها وتهديئة أعدائها، مما يؤدي إلى تغييرات كبيرة في موازين القوة الإقليمية.
وفي النهاية، ستجد إسرائيل والولايات المتحدة أنفسهما عاجلاً أو آجلاً مضطرتين إما للقبول بامتلاك إيران للسلاح النووي، أو لاتخاذ إجراءات أقوى لوقفها، سواء بتشديد العقوبات أو بشن هجوم عسكري ضدها.
وبما أن الوضع الراهن يشير إلى أن انتهاء الحرب في غزة قد يؤدي إلى بداية مراحل أخطر من الأزمة في الشرق الأوسط، فإن التوقعات بتخفيض دائم لمستوى التوترات الإقليمية تبدو أمرًا صعب المنال.