بعد اتهام إيران لتركيا بـ «سرقة السحب».. ادعاء ساذج أم حقيقة؟
مارينا فيكتور مصر 2030أثار الجنرال الإيراني البارز في "الحرس الثوري"، غلام رضا جلالي، قبل ست سنوات، الجدل بعدما اتهم إسرائيل بـ"سرقة السحب والثلوج"، والتسبب بتغيير المناخ في إيران.
ولاقت الفكرة التي طرحها في ذلك الوقت تعاطياً ساخراً من قبل المسؤولين الإسرائيليين وخبراء البيئة والأرصاد الجوية عادت لتتجدد مع الجار تركيا.
وانتشرت خلال الشهرين الماضيين على المنصات صور تظهر تباين الأحوال الجوية في تركيا وإيران، حيث ظهرت سماء الأولى ملبدة بالغيوم، وقمم جبالها مكسوة بالثلوج.
وفي المقابل بدت السماء في إيران فارغة، وتحتها جبال جرداء على طول الحدود.
وليست هذه المرة الأولى التي يتصدر فيها موضوع سرقة السحب عناوين الأخبار في الجمهورية الإيرانية، ولطالما كانت السلطات متشككة في الأصدقاء والأعداء الذين يتلاعبون بالطقس لإحداث الجفاف والتسبب في الضرر.
وقبل عامين من حديث جلالي، أدلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بتعليقات مماثلة زعم فيها أن "الأعداء" يدمرون ويحولون بشكل أو بآخر حصة إيران من السحب الممطرة.
ورغم ذلك تم رفض الادعاءات لأكثر من مرة من قبل هيئة الأرصاد الجوية الإيرانية والهيئات البيئية الأخرى في البلاد، وفق ما تشير إليه مجلة "فوربس" الأمريكية.
فهل يمكن سرقة السحب؟ ولماذا تتردد هذه الفكرة دائما في إيران؟ وماذا يقول خبراء البيئة؟
سرقة أم استمطار؟
في علم البيئة والأرصاد الجوية لا يوجد شيء اسمه "سرقة الغيوم" رغم أن المصطلح تردد كثيرا، وهو ما تؤكده عدة تقارير لوسائل إعلام غربية، بينها "نيويورك تايمز".
وتوضح مجلة "فوربس" أن "سرقة السحب" هو مصطلح يشير إلى الاعتقاد أو الاتهام بأن الدول تستخدم التكنولوجيا للتلاعب بأنماط الطقس لتحويل السحب الممطرة بعيدا عن منطقة معينة.
وفيما يتعلق بالاتهامات الموجهة لتركيا يقول كاوه مدني، مدير معهد الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة إن الصور التي تقارن السماء في تركيا وفي إيران "تنتمي إلى لحظة محددة من الزمن".
ويضيف أنه "تم اختيارها عمدا أو بسذاجة للترويج لرواية ليس لها أي أساس علمي".
ويمكن تفسير الاختلاف في أنماط هطول الأمطار بين الدول من خلال عدة عوامل.
ويتلقى بعضها أمطارا أكثر من غيرها اعتمادا على عدد البحار القريبة واتجاه الرياح ومدى قربها من الجبال الشاهقة، كما يشير الخبراء لـ"فوربس".
وفي هذه الأثناء، وبينما تعاني معظم أجزاء إيران من الجفاف الشديد، يلفت المجتمع العلمي الانتباه نحو الأسباب الجذرية لأزمة المياه في البلاد.
"سباق نحو الاستمطار"
ويشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، في أغسطس 2022، إلى أن دولا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تعاني من ندرة المياه دخلت في سباق لتطوير التقنيات اللازمة "لاستمطار السحب" التي تمر في سمائها.
ومع وجود 12 دولة (من أصل 19 في المنطقة) يبلغ متوسط هطول الأمطار فيها أقل من 10 إنش سنويا بمعدل انخفاض 20 بالمئة على مدار الـ30 سنة الماضية فإن حكومات تلك الدول بحاجة ماسة إلى أي زيادة في المياه العذبة، كما تضيف الصحيفة.
وتشير إلى أن الكثيرين ينظرون إلى استمطار السحب (المطر الصناعي) "على أنه طريقة سريعة لمعالجة المشكلة".
الصحيفة تقول إنه وبينما تضخ الدول الغنية مثل الإمارات مئات الملايين من الدولارات في هذا الجهد تنضم دول أخرى إلى السباق، في محاولة لضمان عدم تفويت فرصة الحصول على نصيب عادل من الأمطار "قبل أن يستنزف الآخرون المياه من السماء".
وتلفت أيضا إلى أن دولا أخرى انخرطت في برامج لـ"تلقيح السحب" مثل المغرب وإثيوبيا وإيران والسعودية، إلى جانب 6 بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويوضح تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية أن عملية التلقيح تقوم على "زرع السحب للحث على هطول الأمطار عن طريق حقن جزيئات الملح أو يوديد الفضة فيها، عبر الطائرات أو الصواريخ أو أجهزة نشر الدخان الأرضية".
وظل العلماء يدرسون أجهزة تعديل الطقس لأكثر من قرن من الزمان، والآن تضع الصين نفسها كدولة رائدة عالميا في هذه الممارسة، وفق "لو موند".
وتضيف أنه بين يونيو ونوفمبر 2022 أفادت التقارير أن عملية "بذر السحب" التي نفذتها 241 رحلة جوية و15 ألف صاروخ أطلقت تسببت في "8.56 مليار طن متري من الأمطار الإضافية" في حوض نهر اليانغتسي، وفقا لصحيفة "الشعب" اليومية في الصين.
ولا تعتبر الصين الدولة الوحيدة التي ترغب في استغلال السحب لصالحها.
بل هناك الولايات المتحدة الأميركية والإمارات وروسيا والسعودية وجنوب أفريقيا وتايلاند والمكسيك، حسب الصحيفة الفرنسية.
ومنذ سنوات طويلة يسلط الحديث والأضواء على تقنيات تعديل الطقس، وفي مقدمتها "تلقيح السحب" وتوضح مجلة "فوربس" أنه يتم استخدامها من قبل الدول في جميع أنحاء العالم.
وبينما نفذتها الصين خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022 للتحكم في الأحوال الجوية ورد قيام رجال الإطفاء الروس أيضا بزراعة السحب لإسقاط الأمطار على حرائق الغابات عام 2020 في سيبيريا.
وتوضح "نيويورك تايمز" أن عملية التلقيح بدأت في عام 1947، حيث عمل علماء شركة "جنرال إلكتريك" بموجب عقد عسكري لإيجاد طريقة لإزالة الجليد من الطائرات في الطقس البارد وخلق ضباب لإخفاء تحركات القوات.
كما تم استخدام بعض التقنيات لاحقا في فيتنام لإطالة موسم الرياح الموسمية، وفي محاولة لجعل من الصعب على الفيتناميين الشماليين إمداد قواتهم.
وفي الشرق الأوسط، وهو الجزء الأكثر سخونة وجفافا على كوكب الأرض، تعمل دول بينها إيران على تكثيف الجهود للحصول على المزيد من المياه من خلال الوسائل الاصطناعية.