«السيناريو الليبي».. هل تتجه أزمة السودان نحو التقسيم؟
عبده حسن مصر 2030تتواصل الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حيث اقتربت من الشهر الثامن، إلا أنها تسببت في مقتل الآلاف ونزوح الملايين داخلياً وإلى دول الجوار، وجعلت البلاد تعاني من الصراعات.
وبسبب استمرار المعارك والصراعات حول السيطرة بين عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، ومحمد حمدان دقلو، الحليف السابق وقائد قوات الدعم السريع في السودان، يثير هذا الوضع قلق الخبراء حيال تكرار السيناريو الليبي، ويعبر ذلك عن المخاوف من انتشار الفوضى في السودان، مماثلة للفوضى التي تشهدها ليبيا في الوقت الراهن.
وفي ليبيا، توجد حكومتان تتنافسان على السلطة، إحداهما موجودة في العاصمة طرابلس ومعترف بها دولياً من قبل الأمم المتحدة، بينما الأخرى في المنطقة الشرقية ويقودها الجنرال خليفة حفتر، أما في السودان، سيطرت قوات الدعم السريع على مناطق في الخرطوم وسجلت تقدمًا كبيرًا في إقليم دارفور في الغرب.
وفي المقابل، استقر أعضاء الحكومة وقادة الجيش في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر في شرق البلاد، والتي لم تتعرض للمعارك التي اندلعت في 15 أبريل.
ولا يبدو أن أي من الأطراف مستعد للتنازلات على طاولة المفاوضات، وذلك خاصةً وأن أياً منهما لم يحقق تقدمًا حاسمًا على الأرض، ففي بداية هذا الشهر، فشلت جولة جديدة من مفاوضات جدة التي تُرعاها الولايات المتحدة والسعودية في تحقيق أي تقدم، وبالرغم من جهود العديد من جولات التفاوض، لم تحقق سوى وقفًا مؤقتًا للمعارك، والتي عادت سريعًا بمجرد انقضاء المهلة.
وقد فشلت الوساطات الدولية المتعددة يثير مخاوف من استمرار الوضع الراهن في السودان ويسلط الضوء على احتمالية حدوث تقسيم دائم للبلاد، وهو ما يثير قلقًا كبيرًا.
وخالد عمر يوسف، المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير، التي كانت جزءًا من التحالف الحاكم مع الجيش قبل الانقلاب الذي قاده البرهان ودقلو في أكتوبر 2021، أشار إلى أن استمرار الصراع قد يؤدي إلى سيناريوهات مرعبة، بما في ذلك تقسيم البلاد، وأضاف أن زيادة التسليح للمدنيين تعمّق الانقسامات الاجتماعية في السودان.
وتشير تقديرات منظمة أكليد إلى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص في الصراع بين الجيش وقوات الدعم، ورغم أن هذا الرقم يُعتبر منخفضًا بالنسبة للحصيلة الفعلية.
وأدت المعارك أيضًا إلى نزوح أكثر من 6 ملايين شخص، وتدمير البنى التحتية الأساسية في السودان الذي كان يُصنف حتى قبل النزاع كواحد من أفقر البلدان في العالم.
فمنذ بداية نوفمبر، تكررت التقارير عن مجازر جديدة في إقليم دارفور، حيث شهدت هجمات واسعة النطاق من قبل قوات الدعم، التي أعلنت سيطرتها على قواعد الجيش في المدن الرئيسية في هذا الإقليم.
وفي مدينة أرداماتا بغرب دارفور، أفادت التقارير عن مقتل حوالي 800 شخص وتدمير نحو 100 مأوى في معسكر للنازحين، ودفع هذا الهجوم حوالي 8000 شخص للفرار إلى تشاد خلال أسبوع واحد، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن صدمته إزاء سقوط ما يقارب الألف قتيل في أرداماتا خلال يومين تقريبًا، ويظهر ذلك كحملة تطهير عرقي، ويعتقد الخبراء أن هذه الأرقام قد تكون دون الواقعية الفعلية بسبب انقطاع شبه كامل لشبكات الاتصالات جراء القتال.
فمنذ بداية النزاع، سجّلت الأمم المتحدة أكثر من 1.5 مليون نازح داخل إقليم دارفور، الذي يضم ربع سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون شخص.
وحذرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي من تصاعد العنف في السودان إلى مستوى الشر المطلق، وأعربت عن قلقها بشكل خاص بسبب الهجمات العنصرية في دارفور، وبينما يشتد الصراع في مختلف مناطق السودان، اعتمد قائد الجيش البرهان وحكومته مقرًا في بورتسودان، مما زاد من المخاوف حيال تقسيم البلاد.
وأكد مراقبون، أن عدم التوصل إلى حل سياسي قد يؤدي إلى وضع يشبه ما يحدث في ليبيا، حيث توجد أكثر من حكومة لا تمتلك أي فعالية فعلية ولا تحظى بالاعتراف الدولي، مشيرًا إلى أن التقدم الكبير الذي أحرزته قوات الدعم السريع في دارفور يمنحها ميزة نسبية ويسمح لها بالتحرك داخل قواعدها، مما يشير إلى القبائل العربية في الإقليم.
ويعتبر الجنجويد، الفصائل العربية المسلحة التي تشكل النواة لقوات الدعم السريع، جزءًا أساسيًا في تاريخ الصراع في دارفور. تحت قيادة دقلو في بداية القرن الحالي، نفّذت تكتيكات "الأرض المحروقة" لصالح الرئيس السابق عمر البشير، والتي تضمنت حرق ونهب ممتلكات الأقليات العرقية واعتداءات جنسية على النساء.
وبعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف ضد البشير لاتهامه بارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" في دارفور، تحذر المحكمة اليوم من تكرار الأحداث المماثلة.
على الرغم من تقدم قوات الدعم في دارفور، فإن الفرصة لتحقيق أي طرف نصر عسكري حاسم على الآخر تبدو ضئيلة، بحسب ما صرح به خبير عسكري يفضل عدم ذكر هويته.
وأضاف المراقبون: "حتى لو نجح الجيش في استعادة السيطرة على الخرطوم، وهو أمر صعب، سيكون من الصعب جداً من الناحية اللوجستية إرسال قوات لاستعادة أجزاء من دارفور"، حيث تبعد مسافة 1200 كيلومتر تقريباً بين العاصمة ومدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور قرب الحدود مع تشاد.
في الخرطوم، فاجأ السكان خبر تفجير جسر "شمبات" الذي يصل بين ضواحي العاصمة بحري وأم درمان قبل نحو 10 أيام، بينما تبادل الطرفان في النزاع اتهامات حول تدمير الجسر، رأى الخبراء أن قوات الدعم تكبدت خسائر بفقدان الجسر، وهو الطريق الرئيسي لإمداداتها من وسط السودان.