هشام عبدالقوي يكتب: في عيد ميلادي تواطأت الحروف مع فن الكتابة

ها هي دورة الزّمان قد دارت من جديد، لتُكمل فصول سنة مضت، وتفتح سطورًا أخرى بميلادٍ ليّ جديدٍ، اليوم أقف على حافة الزمن أنظر في ما مضى: ركام من الأحداث الجسام، وتلال من الأهوال، وخيبات من فوقها خيبات، غالبت فيها أحزانًا أمضّتني، وكابدت فيها بلايا رزتني، بدا بعضها ممسكَّا ببعض في سياقٍ متصلٍ من المأساة التي يتداخل فيها الخاص بالعام، فلا تدري من منها يأخذ من الآخر، أو يُعديه بالحزن والدموع، أحاول أن أنزع نفسي من تحت عتبة العذاب، أن أخرج بابتسامةٍ حقيقيةٍ من فم الأيام السوداء، أصبحت أحن إلى ما صار بعيدًا.

الهوة تكبر بداخلي، لمع ليّ برق خلّب بالأماني الكواذب فخدعني، وأوجع قلبي، المرض يفتّ عضد بعض الأحبة، وأنا أناظرهم بطرف العجز غير قادر على أن أحمل معهم ألمًا، أو أن أزيح منهم سقمًا... ما عندي غير الدعاء الصادق، ودموع أخفيها ما استطعت حتى لا أزعزع صبرهم النبيل على ما هم فيه، أحاول ما استطعت أن أقود السفينة في هذا البحر المتلاطم من الامتحانات الجسام، والريح تصرخ.

بعزمٍ أخشى أن يخور، وصبرٍ أخاف أن ينفد أمدُ طرفي خارج ذاتي، فيبدو العالم بناظري أكثر قتامةً؛ إذ المأساة بجهات الأرض الأربع، مشاحنات وموت وخراب، والعالم يبحث عن "حكيم" ينزع الفتيل، ويعيد الوضع لحالة السلام المتوهم، والهدنة المفخخة، حتى المناخ تغيّر فما عاد بالذي استأنست به الأرض على مر الحقب والسنين، وشبح الجوع والمسغبة يطوف جنباتها على قدم وساق، أقصر نظري عن خريطة العالم، وأجول به في ربوع وطني الأم (مصر)، ووطني الثاني( الإمارات) الذي أعيش فيه على مدى سنوات، فيتبدد الحزن كثيرًا، وترتسم بالخاطر ملامح الفرح الأغر بما يتحقق بوطنيّ العزيزين، وكأنهما الممسكان بزمام الفرح في هذه المأساة الكونية؛ إذ إن القيادة العبقرية بالبلدين تقودان الخطى على مدارج النمو والسموّ بمبادرات نقطف ثمارها قبل موعد الحصاد، يقدحان الهمم، ويشحذان العزائم لتبلغا القمّة بالهمة، ويبنيان وطنين يتسامقا تيهّا، ويحلقان في فضاء يانع بالخيرات والمستقبل زاهر وضيء، اختفت أصوات كانت تنعق، منابر تشتد علينا ظلمًا وظلمةً حتى تداركنا الله برحمته، وأصبحنا نعيش أجواء الحياة وبهجتها.

أتطلع لعامي الجديد ولساني لاهج بالحمد، وسأرسم له خريطة طريق بألا أعِكّرَ صفو نفسي مطلقًا، وأن أحتويها وأدللّها بعد أن أتعبتُّها لكنها ظلت على ذات العهد، وألا أراهن بالحياة على قريبٍ أو بعيدِ، وألا أرد على مكالمةٍ ستكسر خاطري مثلاً، وألا أشتري من باعني فإنّي قد تعبت ولن أزيد، وألا أقول لراحلٍ عني انتظر مهما غلا، من شاء أن يبقى ففي عيني، ومن شاء الرحيل، أعنته إن كان ذلك ما يريد، وألا أفتش بعيون الناس عنَّي فلن أراني جيدًا، مرآة ذاتي تصدق معي فكأنما بصري حديد، وقررت أستعيد سلام ذاتي، وبعضًا من طفولتي وسأستعيد، كل عام و(مصر والإمارات) يعيشان في حبور وسرور، وأمن وأمان.

وعلى الصعيد الشخصي، أسال العلي القدير عامًا أسعى فيه بالود بين الناس، وأن أهدي من يصادف صداقتي حبًا وعطرًا، وأن ألبسهم حرير الصداقة، وأن يهب الإله لي فجرًا من السكينة والوقار، والفجر جميل فيه شغف وحسن ضيافة، وأن أروي القلوب بهجةً، وأمنحها ما يرفل فرحًا، ومن قدم لي إساءة أرد له بابتسامة؛ إذ مبادئي في الحياة عنهم تختلف، وتهمس نفسي في السلام ميثاقًا، ولا يحيد عن السلام الكرام.

ليس رسالة لأحد ما كتبت، وإنما تواطؤ الحروف مع فن الكتابة في عيد ميلادي.