في تفسير «إني جاعل في الأرض خليفة»..
«بالصورة».. خطأ عقائدي في كتاب التربية الدينية لرابعة ابتدائي
أحمد العلامي مصر 2030تداول رواد موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» صورة لأحد الدورس بكتاب التربية الدينية للصف الرابع الابتدائي؛ تظهر خطأ عقائديًا في تفسير آية من القرآن الكريم لغويًا، على خلاف المعنى المقصود في التفاسير المعتبرة، ونقلًا عن تفاسير إسرائيلية.
وقال الكاتب والباحث في الشأن الإسلامي محمد يسري: «بينما أذاكر لابنتي منهج التربية الدينية، بالصف الرابع الابتدائي، وهو للحق جدير بالإشادة وجدت هذه الكارثة العقدية في تفسير قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)، والحقيقة والله ما جرأت على الوقوف على هذا التفسير الكارثة أمام ابنتي الصغيرة في الصف الرابع الابتدائي؛ فمعنى الكلام، أن يقوم العبد مقام الرب تعالى في الأرض.
وأردف يسري: «هذا التفسير مخالف للعقيدة، ومخالف لأقوال المفسرين وأهل العلم المعتبرين، إضافة لما فيه من مخالفة لكلام العرب» مناشدًا المسؤولين بوزارة التربية والتعليم سرعة مراجعة المنهج.
وعلّق إبراهيم فايد قائلًا: «أحسنت أستاذنا، ولمزيد من التوضيح عندنا في مصر منتشر نوعين من التفاسير أحدهما التفسير المبسط والآخر التفسير الميسر؛ أحدهما يعرض معاني الكلمات- لغويًا- فقط لا غير بمنتهى التجرد، والآخر يعرض المقصود، وشتان بين المعنى والمقصد».
تفسير ابن كثير
وفي تفسير قوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) لابن كثير قال: أي قومًا يخلف بعضهم بعضًا قرنًا بعد قرن وجيلًا بعد جيل، كما قال تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) [سورة الأنعام: 165]، وقال: (ويجعلكم خلفاء الأرض) [سورة النمل: 62]. وقال: (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) [سورة الزخرف: 60]. وقال/ (فخلف من بعدهم خلف) [سورة مريم: 59].
وقرئ في الشاذ: (إني جاعل في الأرض خليقة)؛ حكاه الزمخشري وغيره ونقلها القرطبي عن زيد بن علي]. وليس المراد هاهنا بالخليفة آدم -عليه السلام- فقط، كما يقوله طائفة من المفسرين، وعزاه القرطبي إلى ابن مسعود وابن عباس وجميع أهل التأويل، وفي ذلك نظر، بل الخلاف في ذلك كثير، حكاه فخر الدين الرازي في تفسيره وغيره، والظاهر أنه لم يرد آدم عينا إذ لو كان كذلك لما حسن قول الملائكة : (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) فإنهم إنما أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك، وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص، أو بما فهموه من الطبيعة البشرية فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من صلصال من حمإٍ مسنون [ أو فهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس فيما يقع بينهم من المظالم، ويرد عنهم المحارم والمآثم، قاله القرطبي] أو أنهم قاسوهم على من سبق.
تفسير القرطبي
وجاء في تفسير القرطبي: القول في تأويل قوله جل ثناؤه: (إني جاعل في الأرض) اختلف أهل التأويل في قوله: "إني جاعل" فقال بعضهم: إني فاعل، وذكر من قال ذلك: 597 - حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن جرير بن حازم، ومبارك، عن الحسن، وأبي بكر - يعني الهذلي، عن الحسن، وقتادة قالوا: قال الله تعالى ذكره لملائكته: "إني جاعل في الأرض خليفة " قال لهم: إني فاعل. [ص: 448]
وقال آخرون: إني خالق: ذكر من قال ذلك: 598- حدثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، قال: كل شيء في القرآن " جعل " فهو خلق، وقال أبو جعفر: والصواب في تأويل قوله: " إني جاعل في الأرض خليفة “: أي مستخلف في الأرض خليفة، ومصير فيها خلفًا. وذلك أشبه بتأويل قول الحسن وقتادة.
وذكر من قال ذلك: 599 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن ابن سابط: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دحيت الأرض من مكة، وكانت الملائكة تطوف بالبيت، فهي أول من طاف به، وهي " الأرض " التي قال الله: " إني جاعل في الأرض خليفة " وكان النبي إذا هلك قومه، ونجا هو والصالحون، أتاها هو ومن معه فعبدوا الله بها حتى يموتوا. فإن قبر نوح وهود وصالح وشعيب، بين زمزم والركن والمقام.
والقول في تأويل قوله: (خليفة)، والخليفة الفعلية من قولك: خلف فلان فلانا في هذا الأمر، إذا قام مقامه فيه بعده. كما قال جل ثناؤه (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون) [سورة يونس: 14] يعني بذلك أنه أبدلكم في الأرض منهم، فجعلكم خلفاء بعدهم. ومن ذلك قيل للسلطان الأعظم: خليفة، لأنه خلف الذي كان قبله، فقام بالأمر مقامه، فكان منه خلفا. يقال منه: خلف الخليفة، يخلف خلافة وخليفي.
وكان ابن إسحاق يقول بما: حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " إني جاعل في الأرض خليفة " يقول: ساكنا وعامرا يسكنها ويعمرها خلفا، ليس منكم. وليس الذي قال ابن إسحاق في معنى الخليفة بتأويلها - وإن كان الله جل [ص: 450] ثناؤه إنما أخبر ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة يسكنها - ولكن معناها ما وصفت قبل.
فإن قال قائل: فما الذي كان في الأرض قبل بني آدم لها عامرا، فكان بنو آدم منه بدلا وفيها منه خلفا؟ قيل: قد اختلف أهل التأويل في ذلك؛ فحدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: أول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء وقتل بعضهم بعضا. فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال. ثم خلق آدم فأسكنه إياها، فلذلك قال: " إني جاعل في الأرض خليفة "
فعلى هذا القول: " إني جاعل في الأرض خليفة " من الجن، يخلفونهم فيها فيسكنونها ويعمرونها.
602 - وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: " إني جاعل في الأرض خليفة " الآية، قال: إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجن يوم [ص: 451] الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، فكفر قوم من الجن، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدماء، وكان الفساد في الأرض.
وقال آخرون في تأويل قوله: " إني جاعل في الأرض خليفة " أي خلفا يخلف بعضهم بعضا، وهم ولد آدم الذين يخلفون أباهم آدم، ويخلف كل قرن منهم القرن الذي سلف قبله. وهذا قول حكي عن الحسن البصري.
603 - حدثني به محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن ابن سابط في قوله: " إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " قال: يعنون به بني آدم صلى الله عليه وسلم.
604 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قال الله تعالى ذكره للملائكة: إني أريد أن أخلق في الأرض خلقا وأجعل فيها خليفة. وليس لله يومئذ خلق إلا الملائكة، والأرض ليس فيها خلق.
وهذا القول يحتمل ما حكي عن الحسن، ويحتمل أن يكون أراد ابن زيد أن الله أخبر الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة له يحكم فيها بين خلقه بحكمه، نظير ما:
605 - حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي [ص: 452] صلى الله عليه وسلم: أن الله جل ثناؤه قال للملائكة: " إني جاعل في الأرض خليفة " قالوا: ربنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. فكان تأويل الآية على هذه الرواية التي ذكرناها عن ابن مسعود وابن عباس: إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بين خلقي. وذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه.
وأما الإفساد وسفك الدماء بغير حقها، فمن غير خلفائه، ومن غير آدم ومن قام مقامه في عباد الله - لأنهما أخبرا أن الله جل ثناؤه قال لملائكته - إذ سألوه: ما ذاك الخليفة؟: إنه خليفة يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. فأضاف الإفساد وسفك الدماء بغير حقها إلى ذرية خليفته دونه، وأخرج منه خليفته.
وهذا التأويل، وإن كان مخالفًا في معنى الخليفة ما حكي عن الحسن من وجه، فموافق له من وجه. فأما موافقته إياه، فصرف متأوليه إضافة الإفساد في الأرض وسفك الدماء فيها إلى غير الخليفة. وأما مخالفته إياه، فإضافتهما الخلافة إلى آدم بمعنى استخلاف الله إياه فيها. وإضافة الحسن الخلافة إلى ولده، بمعنى خلافة بعضهم بعضا، وقيام قرن منهم مقام قرن قبلهم، وإضافة الإفساد في الأرض وسفك الدماء إلى الخليفة.
تفسير شاذ
ومما ذُكر في تفسير الآية: ما رواه السُدّي في تفسيره أن الله تعالى لما قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: ربَّنا وما يكون شأن ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض. فقالوا: أتجعل فيها مَن يُفسِد فيها ويسفك الدماء. وهذا خبر ضعيف؛ وفي تفسير السُدي إسرائيليات.