«رد المطلقات».. تحليل «الحرام» بمئات الجنيهات
مصر 2030عقد جليل، وميثاق غليظ، هكذا وصف الله رب العزة «الزواج»، من فوق سبع سموات، بأنه كالثوب المتين الذي يصعب تمزيقه، «وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا»، ولكن رغم ذلك مازال هناك بعض الجهلاء والفاسقين حسبما وصفهم أهل العلم يتخذون الطلاق تسلية، فيصبح لفظ السراح كلمة هينة ينطقون بها في أي وقت دون إحترام لقدسيتها ولخطورة ما ينطقون به.
القرى المصرية بها العديد من النماذج لزوجات تطلقن لعشرات المرات، بألفاظ طلاق صريحة، لا تقبل الشك، ورغم ذلك مازالت الحياة الزوجية قائمة، فالزوجة مرغمة على العيش كي تربي ابناءها، وإذا ما خافت، وعاتبتها فطرتها الطيبة بأن عقد الزواج قد انتهى، تجد أسرتها وشيوخ قريتها يخبراها بأن هناك حلًا ف «200 جنيه»، سوف ينهون المشكلة.
حكايات مطلقات
في إحدى القرى الريفية التي مازالت تحتفظ ببعض من مظهرها هناك نسوة يعيشون حياة غير مستقرة في كنف زوج دائم الحلف بالطلاق، فكلمة «علي الطلاق من بيتي، تحرم عليا مراتي» وغيرها من الكلمات لا ينتهي من التلفظ بها غير عابئ بخطورة ما يفعله، معتقدًا بأن يمينه إن وقع فلديه المخرج ولا إثم عليه.
وتسرد «عزة.ر»، إحدى سيدات محافظة الشرقية تفاصيل مأساتها، قائلة، زوجي يعمل سائق على سيارة أجرة، ومنذ زواجنا وهي كثير الحلف بالطلاق سواء في حديثه مع الآخرين أو عندما تختلف معًا لأي سبب، فيطردني من بيتي ويطلب مني أن ألتحق ببيت أسرتي، مرددًا «أنتي طالق، مبتقتيش تلزميني»، وغيرها من الكلمات.
وتتابع، أتذكر أنه في بداية زواجي طلقني بالثلاثة، ورجعت لبيتي بعد جلسة صلح بين الأسرتين وشيوخ القرية، ولكن الأمر لم يتوقف فقد نطق لفظ الطلاق صريحًا عدة مرات، وحينما خشيت أن تستمر حياتنا في الحرام وصارحته بذلك أخبرني بإنه كفر عن يمينه وتصدق بمبلغ 200 جنيه لأحد فقراء القرية وبذلك الطلاق لا يقع".
وتكمل عدت لبيتي ومازال لم يتغير لفظ الطلاق لا يغادر فمه، وبرغم بقائي معه إلا أنني هناك شك في قلبي يصاحبني هل حياتي معه حرام أم أن دفع الكفارة يكفر عن يمينه كما أخبروني أهل قريتي.
وتضيف «جميلة.ح» من أهالي القرية أيضًا بأنها متزوجة منذ 10 سنوات، وأن حالتها لا تختلف كثيرًا عن السابقة، وأن شيخ القرية، وهو أحد الأشخاص المعروف عنهم التدين أخبرهم بأن لفظ الطلاق الذي يتلفظ به زوجها يستوجب دفع كفارة فقط ولا يستوجب معه الإنفصال وهدم بيت الزوجية، لذلك هي لا تعبأ كثيرًا بألفاظ الطلاق التي ينطق بها زوجها في حديثه مع الآخرين لترويج تجارته لكسب المال موضحة:« يعني بيبع حاجة وحد فاصله يروح قايل عليا الطلاق هتبقى بخسارة وهو كسبان فيها أصلًا» وغيرها من الأمور.
وفي هذا الصدد يجيب أهل العلم موضحين مثل هذه الحالات، وهل لها أساس في الدين الإسلامي، أم أنهم يبتدعون أمر ما أنزل الله به من سلطان.
الفرق بين صيغ الطلاق والحلف به
الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، يوضح أن هناك فرق بين صيغ إيقاع الطلاق والحلف به.
وأوضح الدكتور كريمة أن صيغ وألفاظ إيقاع الطلاق في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة مثل «الفراق، والسراح»، وهذه ألفاظ صريحة فإذا تلفظ بها الزوج قاصدًا إنهاء العلاقة الزوزجية وقع الطلاق بين الزوجين، معتبرًا كفارة يمين الطلاق «كلام فارغ».
طلاق الفساق
وكشف كريمة أن الحالف بالطلاق هو ما يجري على ألسنة العوام، كما قال الإمام الدردير من كبار فقهاء المالكية، مثل: «إن فعلتِ كذا فأنت طالق، أو إن لم تفعلي»، وهذه الصيغ لا يفعلها إلا الفساق.
وأشار الدكتور كريمة إلى أن المصريين يحلفون بالطلاق يريدون اليمين بالله عز وجل، فيجري عليهم مجرى الحلف بالله، فإن بر بيمينه فلا شيء يلزمه، وإن حنث في يمينه اختلف العلماء في ذلك، وذهب الإمام علي رضي الله عنه ومن وافقه إلى أنه حلف لا يلزمه إيقاع الطلاق، وذهب آخرون إلى أن فيه كفارة يمين من إطعام 10 مساكين أو كسوتهم أو صيام ثلاثة أيام متفرقات.
الطلاق الصريح
وأكد أستاذ الفقه المقارن أن لفظ « أنت طالق»، يعتبر طلاقًا صريحًا، والزوج الذي مع كل خلاف يرمي يمين الطلاق على زوجته ”فاسق“، ويعيش معها في الحرام، مستكملاً: «إذا تخطى عدد الطلقات ثلاث مرات، تختص بذلك دار الإفتاء المصرية، وليس هناك أحد يجهل عدد طلقاته».
وقال أحد شيوخ دار الإفتاء، إن مسألة الطلاق تحتاج لتحقيق واسع، ويجب على الزوجين أن يتوجها لدار الإفتاء للاستماع للزوجين وسؤال الزوج عن مقصده إلى غير ذلك من الأمور وعلمائها في هذه الحالة هم المعنين بالأمر فهم أهل العلم.
وأوضح أن فكرة الكفارة في حد ذاتها موجودة، أما عن مسألة هل جوازها من عدمه فهذا الأمر يختص به دار الإفتاء وحدها إعمالًا بقوله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».
واستطرد: الحلف المشروع هو الحلف بالله تعالى، أمّا الحلف بالطلاق فهو من أيمان الفساق، وقد ذهب بعض العلماء إلى تحريمه وبعضهم إلى كراهته.
وأختتم، الحلف بالطلاق كتعليقه على شرط، كلاهما يقع به الطلاق عند جماهير أهل العلم سواء أريد به الطلاق، أو أريد به التهديد، أو المنع، أو الحث، أو التأكيد، لكن بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أنّ من حلف بالطلاق، أو علقه على شرط، ولم يقصد به الطلاق، وإنما أراد به التهديد، أو التأكيد على أمر، فحكمه حكم من حلف بالله، فإذا حنث في يمينه لزمته كفارة يمين، ولا يقع به طلاق.