سمر مجاهد تكتب: المحسوبية وثالوث الجريمة
«لو كان الفقر رجلا لقتلته» واحدة من أعمق الأقوال المأثورة التي نُسبت تارةً إلى الامام علي بن أبي طالب، وتارةً أخري إلى الفارق عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، لكنها أصابت كبد الحقيقة حيال آفة اجتماعية تذبح شريحة عرضية من المجتمع.
الفقر أكبر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية على الإطلاق، ويهدد حياة الأفراد والمجتمعات والدول على حد سواء، لما له من تأثر قوي في تشكيل سلوك الأشخاص والتحكم في أخلاقهم، بجانب تأثيره المؤلم على العقل والضمير، وتحطيمه للكرامة والأنفس.
فقد جاء الفقر في السيرة النبوية مقترنًا بالكفر، حيث تؤدي حاجة الإنسان إلى الطعام والشراب، إلى الوقوع في براثن النفاق أو الوقوع في الكبائر وربما القنوط والخروج من الملة ، لذا قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر»، كما يؤدي أيضًا إلى التحاسد والتباغض بين الفقراء والأغنياء.
الفقر كذلك أحد أضلاع مثلث الجريمة، والذي يكتمل بالجهل والفساد، عناصر متداخلة فيما بينها، فالفقر يولد الجهل، والجهل يولد الفساد.
ونحن غالبا ما نُعرف الجهل بأنه غياب المعرفة، أي الافتقار للتعليم (القراءة والكتابة)، الذي يمثل الترياق الطبيعي لشفاء أسقام المجتمع، لكن تلك هي الأمية، بينما الجهل أمر أخر يقع وسط المعادلة الثلاثية بين الفقر والفساد، فحتى وإن تم التعليم بأكفأ صورة، من الممكن أن يولد منه حفنة من الجهال، فليس الجاهل من لم يستطيع القراءة والكتابة، وإنما الجاهل حقًا هو باختصار عديم الثقافة ويمكن أن تضع بين قوسين هنا كل ما يؤدي إلى تردي المجتمع وانهيار القيم والأخلاق والثوابت والتقاليد.
ولهذا نجد أن ربط حدوث الجرائم وإدمان الشباب للمخدرات بالأمية بمثابة خلط فاسد، لأن الواقع أثبت عكس ذلك، وهناك الكثير من الأمثلة التي دلت على أن التعليم الجامعي وحتى الدكتوراه، لا علاقة له بالسلوك، وامتلاك الحس الإنساني، وكم من جرائم ارتبطت بأناس ربما توسمت فيهم العلم والثقافة والأخلاق، فسقط عنهم القناع ليكشف عن حقيقة بشعة.
وفي المقابل هناك الكثير من الأباء والأمهات كانوا أُمين لكنهم لم يكونوا جُهلاء، وعلموا أولادهم القيم والمثل العليا، ومما زاد الأمر تعقيدا وتحطيما لأنفس الشباب تفشي ظاهرة الوساطة (المحسوبية)، وغياب المبادئ والقيم الأخلاقية، وربما هي التي خلقت هذا الجيل من الجهال وضعاف النفوس، واختل معها ميزان العدالة.
للأسف الجهل والمحسوبية والوساطة والفقر أثرت على النفسية المصرية والمزاج العام، وأصبح المحظور مباحا وأصبحت العلاقات الإنسانية تحكمها المصلحة وسلطة القوي، التي خدمت الكثير بدون وجه حق في ظل وجود من هم أحق منهم، وفي ظل انتشار المحسوبية، أصبح من الصعب التمييز بين الكفاءة ومهارات وقدرات الأشخاص الفعلية، وهذا هو انتشار الفساد بعينه.
نحن لا ننفي إطلاقا وجود المحسوبية والوساطة قديما، فإنها ليست بجديدة، فقديما كانت تستخدم وفق العرف وداخل إطاره، وتناولها القرآن الكريم تحت مسمى الشفاعة الحسنة، إلا أن إستخدامها الآن لا يمس الشرع بصلة، وأصبح من يتبعه هم أصحاب النفوذ والمناصب العليا لتحقيق مصالحهم.
لا نُنكر أن الواسطة والشفاعة مطلوبة في بعض الأحيان، ولكنها أصبحت تستخدم بكثرة فاكتسبت سمعة سيئة، وأصبحت تسير بشكل غير لائق شرعا وقانونا، وأصبح كل ما يعنى مستخدميها هو إنجاز مصالحهم بل والحصول على امتيازات وحقوق غيرهم أحق بها، مما أساء إلى فكرة الواسطة أو الشفاعة قديمًا، لأنها أصبحت ظاهرة مرضية تمحي وتجرد الأشخاص من حقوقهم وتنسبها لغيرهم.
ومن هذا المنطق يسعى الكثير من الشرفاء إلى محاربة تلك الظاهرة ووأدها، وفي الوقت ذاته يسعون إلى إحياء الواسطة التي تسهم في وصول الأشخاص المستحقين إلى أهدافهم المشروعة، فهنا تُصبح الواسطة واجبة وصحيحة شرعا وملائمة وموافقة لنصوص القانون، وتصبح عملا صالحا يثاب مُيسرها وينتفع بها الفرد والمجتمع في آن واحد.
