«التحرش» و«الابتزاز الجنسي» ظاهرتان تعصفان بالمجتمع المصري
أحمد العلامي مصر 2030التحرش والابتزاز الجنسي ظاهرتان آخذتان في الانتشار بشكل مخيف في المجتمع المصري، رغم اعتماد الدولة قوانين جديدة شددت من خلالها العقوبات، بيد أنه من الواضح قصور المواجهة من خلال القانون فقط، وهو ما يسترعي الانتباه لضرورة بحث أسباب تلك الظواهر، وإيجاد هيئة تنسق الجهود بين جميع مؤسسات الدولة للقضاء على هذه الظواهر التي تدمر المجتمع وتضرب الأسر وتتسبب في العديد من الجرائم.
الابتزاز الجنسي هو نوع من أنواع الضغط على شخص بطريقه بشعة لإجباره على تنفيذ طلب أو خدمة، ويُعد نوعًا من أنواع التحرش الجنسي، يمكن أن يعرّف على أنه أيّ عرض جنسي غير مرغوب فيه، أو طلب خدمة جنسية، أو أي تصرف آخر له طبيعة جنسية سواء كان شفويًّا أو جسديًّا، موجه نحو فرد بسبب نوعه «ذكر أو أنثى»، وعادة ما يكون خيار الرفض أو الاستسلام لمثل هذا التصرّف مُحَدِّدًا مهمًّا لاتخاذ قرارات تؤثّر في ذلك الفرد في ما يتعلق بالتوظيف: «زيادات، حصول على عمل، مهام عمل، انضباط، إلخ...» أو في منزلة الطالب «درجات، امتياز، واجبات، إلخ...»، وبمعنى آخر: الرفض هو النتيجة المضادّة؛ فيكون عدم قبول مثل هذا التصرّف له أبعاد هجومية أو معادية أو تخويفية تلحق بالفرد في العمل أو الدراسة، وتؤثر بشكل كبير في أداء عمله، أو تجربته التربوية، وعدم الخضوع لهذا الابتزاز يخلف العداء، وذلك من خلال نشر الشائعات، والتهكم وتحفيز الآخرين على كره الشخص، لا لشيء ولكن بسبب رفضه للعرض الجنسي.
الأمراض النفسية والتنشئة الخاطئة هما السبب
الدكتورة سوسن فايد أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، قالت في تصريح خاص لـ«مصر 2030»، إن هناك بُعدًا نفسيًّا في مسألة التحرش الجنسي والابتزاز الوظيفي، وكذلك يتشابك هذا البعد مع عوامل كثيرة جدًّا تبدأ من التنشئة الخاطئة، خصوصًا أننا نعاني من أزمة قيم بالمجتمع المصري؛ فالتنشئة الخاطئة تخلق شخصًا دون أخلاق ودون ضمير.
وأردفت: «الدراما ووسائل الإعلام لها تأثير كبير جدًّا في خلق مثل هذه الشخصيات عديمة الأخلاق والقيم المجتمعية والدينية؛ فتنشر نماذج الشخص المتحرش صاحب السلطة الذي يحقق كل رغباته الشيطانية ويرضخ له الجميع، كما تثير الغرائز وتنشر القيم السلبية في المجتمع، وهناك أيضًا عامل رئيسي آخر في هذا الباب وهو عامل الإدمان للمخدرات إلى جانب الفراغ الفكري والعاطفي، والهروب من الواقع لدى الشباب؛ فيكون الشاب متخبطًا في قراراته، وكذلك الشخص المهمش الذي ليست له قيمة أو دور اجتماعي يستشعر النقص، ويحاول أن يعوضه في هذه الممارسة الحيوانية، فهو يحاول أن يعلن عن نفسه بطريقه التمرد في المجتمع، وهناك بُعد اجتماعي طبقي بين الفئات الفقيرة، والغنية، بممارسه هذا الفعل المخالف للأعراف والقيم الإنسانية».
وحول طرق مواجهة هذه الظاهرة أفادت أستاذ علم النفس، بضرورة تفعيل ثقافة الاقتراب من الطبيب النفسي والزيارة الدورية بشكل منتظم لعلاج بوادر الأزمات النفسية، إلى جانب نشر القيم والثقافة السليمة في الإعلام والدراما المصرية لمواجهة هذه الظاهرة في المجتمع خاصة أن الدراما عامل رئيسي في نشر هذه الظاهرة، كما تتعين مواجهة والقضاء على الإدمان، فالقضاء عليه سيحد بشكل كبير من هذه الظاهرة، إلى جانب الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية الصحيحة بين الأسرة والمدرسة.
الحل في تدريس «الأخلاق» والتوعية الدينية ومنع دراما الملاهي الليلية
من جهته طالب أحمد العلامي الباحث في الشأن السياسي والاجتماعي؛ بضرورة اعتماد الدولة إستراتيجية وطنية للقضاء على تلك الظواهر التي تهدد السلم المجتمعي، وتنشر الرذيلة وتحد من القيم السليمة، قائلًا: «أتمنى أن يطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة رئاسية للقضاء على هذه الظواهر من خلال لجان متخصصة من الأزهر والتربية والتعليم وخبراء علم النفس وخبراء الاقتصاد، وصناع الدراما، والقائمين على وسائل الإعلام؛ لوضع رؤية تعتمدها الدولة سواء على مستوى التعليم بالمدارس من خلال تدريس مقرر خاص للقيم الإنسانية والأخلاقية، والتوعية بمخاطر هذه الممارسات، لطلاب المرحلة الإعدادية، في ما تتم إضافة جزء من المنهج لطلاب الثانوية العامة والجامعات بالعقوبات المشددة التي تفرضها القوانين العامة لخلق حالة من التخويف المجتمعي».
وأضاف العلامي: «كما يتعين على وزارة الأوقاف من خلال المساجد تخصيص خطبة موحدة شهريًّا للتعريف بسلبيات هذه الممارسات غير الدينية التي تخالف العرف والمجتمع، إلى جانب اعتماد الحكومة سياسة اقتصادية لدعم الشباب للزواج؛ حتى لا يكون عرضة لهذه الأفعال بدافع الكبت الجنسي، فمن غير المعقول أن يكون متوسط سن الزواج للشباب 30 عامًا، نتمنى أن يتم خفض هذه السن لـ22 سنة بحد أقصى؛ حتى لا نخلق أجيالًا مريضة نفسيًّا وعاطفيًّا، كما يمكننا بذلك مواجهة ظاهرة العنوسة».
وأكمل: «وهناك عامل رئيس في نشر الفسق والفجور والانحلال الأخلاقي في المجتمع، ألا وهو الدراما غير الهادفة التي تروج للإدمان والملاهي الليلية والشذوذ والدعارة، لا بد أن تتوقف هذه الأعمال التي تدمر المجتمع في شتى المجالات، كما يتعين على الإعلام إطلاق حملات توعية ضد هذه الأنواع من الدراما التي باتت تسيطر على شاشات التلفاز في بيوت المصريين، إلى جانب التوعية بضرورة التزام الفتيات بملابس غير مثيرة؛ حتى لا تكون هذه الملابس سببًا ودافعًا من دوافع التحرش، والالتزام بالزي المقبول عُرفًا لدى المجتمع، وبمواجهة الأسباب سيتم القضاء على هذه الظواهر السلبية التي تعصف بالمجتمع المصري والمجتمعات العربية».