سمر مجاهد تكتب «بين سيطرة الأهواء وتأثيرات الواقع.. هل جاء الإسلام ليقهر المرأة؟»


مما لا شك فيه أن الشريعة الإسلامية تمتلك قاعدة عامة، وهي «جلب المصالح ودرء المفاسد»، والتي تعتبر وليدة من القاعدة الأم المتفق عليها «لا ضرر ولا ضرار»، حيث تكشف من خلال تطبيقاتها وما يندرج تحتها من فروع كثيرة عن مقصد من مقاصد الشريعة، وهو مواجهة الفعل الضار قبل وقوعه ومعالجة أثره في حالة وقوعه بالفعل.
لذا نجد أن الشريعة الإسلامية تقوم في الأساس على مصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل ورحمة ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة كما ورد عن ابن القيم رحمة الله عليه.
لهذا نجد أن الشريعة الإسلامية بهذا المعنى تنظم كل شيء، من عقائد وقيم وأخلاق وأحكام عملية، في مجال العبادات والمعاملات، وتنظم العلاقات بين الأفراد، وما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات تجاه بعضهم البعض، وتعمل على حل قضاياهم.
ومن تلك القضايا ذات الأهمية الكبيرة، والتي تحتل مكانة عظيمة لدي العلماء والدعاة، هي قضايا المرأة، وذلك نظرًا للمستجدات المتلاحقة التي تعكس الواقع المعاصر حتى تستطيع أن تقوم بدورها بشكل فعال بما لا يخالف الشرع، ومرونة الواقع.
ويتطلب دور المرأة في المجتمع الحديث؛ الثقة بالنفس، والسمو في الطموح والأفكار، والحماس المستمر، والرغبة الكامنة في العمل والإنجاز والإبداع، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة، ولها دورها الهام في بناء المجتمع ونشأة أجيال قادرة على تحمل المسؤولية، وتساعد في تقدم الأمة وصلاحها وتطويرها، فهي القائدة القادرة على تربية الشباب والشابات تربية مستقيمة صالحة، لذا نجد أن للمرأة تأثيرًا فعالًا في مختلف مناحي الحياة.
ونجد أن الشريعة الإسلامية قائمة على تنظيم حقوق المرأة بشكل تفصيلي، وبينت الكثير من الواجبات باعتبارها مشاركة للرجل في مجالات الحياة التي تناسب وتلائم طبيعتها، فالمرأة على هذا التأصيل نصف المجتمع، والذي إذا تم تهميشه سوف يهدم النصف الآخر.
وفي هذا الإطار، قال رسول الله، ﷺ: «استَوْصُوا بالنساء خيرًا؛ فإن المرأة خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإن أعوَجَ ما في الضِّلَع أعلاه، فإن ذهَبتَ تُقيمُه كسَرتَه، وإنْ ترَكتَه لم يزَلْ أعوَجَ، فاستَوصوا بالنساء»، كما ورد في حديث أخر قال رسول الله ﷺ: «إنما النساء شقائق الرجال ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم».
الإسلام لم يترك المرأة مقهورة كما كانت قبل نزول الوحي، فكانت مسلوبة الحقوق معدومة القيمة، وبالتأمل في قضايا المرأة المعاصرة والانفتاح في شتى مجالات الحياة، نجد أن حدود تعاملات المرأة توسعا وتضيقا ينبع من فتاوى العلماء، ومدى إلمامهم بكل ما هو جديد بها، والموازنة بين الفتوى والعرف بالنظر إلى مدى تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال، لهذا يجب مراعاة العوائد والأعراف المتعلقة بالأفراد والمجتمعات، إنه أمر مهم ومطلب ضروري، رُب فتوى تصلح لعصر لا تصلح لأخر.
لذلك نود أن نؤكد عظمة الإفتاء وأهميته في الشريعة الإسلامية وعدم الخروج عن الضوابط الفقهية المقررة عند تناول ما يستجد من أحكام وقضايا المرأة، وإتباع مسلك شرعي وسطي بعيدًا عن الانسياق لأهواء وتأثيرات الواقع والظروف التي تحيد عن الطريق الصحيح، من أجل استعادة المرأة المكانة التي ارتضاها لها المشرع، ويحتاجها الوطن في معترك التقدم والتنمية والنهوض.