«فاتن أمل حربي».. لماذا تسقط حضانة المطلقة بعد الزواج؟
أحمد العلامي مصر 2030إسقاط حضانة الأم المطلقة عند الزواج، يتساءل العديد من المسلمين عن الأحكام الفقهية والخاصة بالعبادات، والعقائد، والتي تشغل فكره وقد يتشكك فيها عقله؛ وعليه برز سؤال طرحه مسلسل «فاتن أمل حربي» حول حكم الدين في أمر حضانة المطلقة لأولادها وخاصة إذا تزوجت، ولماذا يمنع الإسلام المرأة من الولاية التعليمة على أطفالها، وتسقط حضانتها بزواجها من أجنبي؟
وللإجابة على السؤال طالعنا بيان مركز الأزهر العالمي للفتوى والذي أشار إلى تناول المسلسل الدرامي لقضية حضانة المطلقة قال فيه: «أعطى الإسلام الأمَ حقَّ حضانة أولادها عند وقوع الانفصال حتى يستغنوا عنها إذا لم يكن عارض أو مانع من الحضانة، ولا ينبغي مطلقًا أن يكون الطفل بين يدي والديه أداة ضغط، أو دليلَ انتصارٍ مُتوَهَّم، وإن لم يوجد نزاع، وتراضَى الوالدان على صورة معينة للحضانة تُحقِّق مصالح الطِّفل، وتُراعى حقوقه النَّفسية والتَّربوية وسلوكه المجتمعي، فإنَّ الشَّرع الحنيف يُقرُّ هذا التَّراضي، ولا يعترضه، أيًّا كانت حال الأم والأب، والمسلمون عند شروطهم».
وأكمل المركز: «وفي حال النِّزاع، تميزت الشريعة الإسلامية بمرونة فائقة في مسائل حضانة الأولاد ورؤيتهم بعد انفصال الوالدين، وأعطت القاضي حق تقدير المواقف، كل حالة بحسبها، بما يراعي مصلحة الأطفال، دون جمود أو إهدار لمصلحة الطفل، أو حقوق كِلا والديه، على عكس ما يُروَّج له، وطرح القضايا الدينية والمجتمعية العادلة في قوالب مشبوهة يظلم هذه القضايا، واستخدام المنهج الانتقائي الموجه في عرض مشكلة مجتمعية، لا يعرضها من جميع جوانبها، ولا يساهم في حلها، بل يفاقمها، ويزيد الاستقطاب حولها، ويعكِّر السِّلم المُجتمعيّ، ويُصدّر للعالم صورة مُجتزأة وسلبية عن المجتمع المصري على غير الحقيقة والواقع».
«ربنا مقلش كده».. فاتن أمل حربي تثير الجدل على مواقع التواصل
الندية في الأسرة جريمة
وشدد مركز الأزهر، على أن الشَّحن السَّلبي المُمنهج في بعض الأعمال الفنيّة تجاه الدّين؛ بنسبة كل المعاناة والإشكالات المُجتمعية إلى تعاليمه ونُصوصه؛ تحيزٌ واضح ضدّه، واتهام له بضيق الأفق والقُصور، ونذير خطر يؤذن بتطرف بغيض فيه أو ضدّه، ويهدّد الأمن الفكري والسِّلم المجتمعي، مشيرًا إلى أن الزّواج في الإسلام منظومة راقية مُتكاملة تحفظ حقوق الرّجل والمرأة والطّفل، والترويج للعلاقات غير المُشروعة وتبريرها وتطبيعها طرح كريه مُناف للدّين والقِيم، وتغذيةُ روح العدائيَّة والنِّديَّة في الأسرة جريمة منكرة، وإذكاء للصّراعات الأسرية والمجتمعية، في وقتٍ تسعى فيه مُؤسسات الدولة للحفاظ على الأسرة، حجر الزاوية في المجتمع، وركنه الركين.
وأفاد «الأزهر للفتوى»، بأن التستر خلف لافتات حقوق المرأة لتقسيم المجتمع، وبث الشقاق بين الرجال وزوجاتهم بدلًا من محاولة زرع الودّ والمحبة وعرض النماذج المثلى للأسرة الصالحة والمجتمع المصري، وتصوير بعض الأفراد للتراث الإسلامي كعدوٍ للمرأة، واستخدام الإعلام والدراما لتشويه هذا التراث؛ فكر خبيث مغرض يستبيح الانحرافات الأخلاقية ويحاول تطبيعها، كما يستهدف تنحية الدين جانبًا عن حياة الإنسان وتقزيم دوره، ويدعو إلى استيراد أفكار غربية دخيلة على المجتمعات العربية والإسلامية، بهدف ذوبان هُوُيَّتِها وطمس معالمها.
ووجه المركز رسالة إلى وسائل الإعلام والمسؤولين عن الفن والدراما، قائلًا: «إن تغذية العُقول والنُّفوس بما يُسهم في بناء الإنسان، ويُعزِّز من منظومة القِيم والأخلاق، ويُشغِل الناس بالخير النافع، هو أهم أدوار الإعلام الواعي، ومسئولية دينية ووطنية مُشتركة، وأمانة سيسألنا الله عزَّ وجلَّ عنها يوم القيامة».
ملمحًا إلى «فاتن أمل حربي».. الأزهر للفتوى: فكر خبيث وتطرف لتشويه الدين
بيان حق الحضانة
ولتأصيل هذا الأمر شرعًا وقانونًا نقدم لك عزيزي القارئ في السطور الآتية شرحًا لمسألة حضانة الأم المطلقة لأطفالها وولايتها التعليمية عليهم، فحضانة الأم للأطفال بعد طلاقها ثابتة في الشرع، كما أن إسقاط الحضانة عنها عند زواجها ثابت أيضًا بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فجاء عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن امرأةً قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، وثديي له سقاءً، وحجري له حِواءً، وإن أباه طَلَّقني، وأراد أن ينتزعه منِّي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تنكَحِي، وَلَهُ الحقُّ في النفقةِ عَلَيهِ حَتَّى يَبْلُغَ» رواه أبو داود، فجعل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حضانة الطفل لأمه، وألزم والدَه بالإنفاق عليه.
وفي مسلسل «فاتن أمل حربي» لم يتطرق الممثل الذي يقوم بدور الشيخ الأزهري إلى ذكر الحديث النبوي الذي فيه حكم حضانة الأم للأطفال، وكذا حكم إسقاط الحضانة عنها عند زواجها، وهو أمر يشير إلى سوء نية القائمين على العمل في توجيه رسالة سلبية للمشاهد بعدم وجود تشريع إلهي في القرآن، أو السنة المطهرة حول أحكام الحضانة، وإظهار أن الحكم الشرعي هو مجرد أقوال من الفقهاء قد يؤخذ بها وقد لا يؤخذ، وهو أمر مخالف لواقع المسألة ويحمل تضليلًا للقارئ بهدف حشد الرأي العام في اتجاه مخالفة الشرع في أمر إسقاط حضانة الأم للأطفال عند زواجها برجل أجنبي.
وحضانة الأم أطفالها أقرتها الشريعة الإسلامية وسار على حكمها القانون، فإذا لم تتزوج الحاضنة، أو تزوجت من ذي رحمٍ محرمٍ للمحضون، فإن لها حق الحضانة، إما إن تزوجت بغير ذي رحمٍ محرمٍ للمحضون فإن جمهور الفقهاء يَرَوْن سقوط الحضانة عنها؛ سواء كان المحضون ذكرًا، أو أنثى.
ملمحًا إلى «فاتن أمل حربي».. الجندي: «راقصة تمسح الأرض بالشيخ» «فيديو»
دار الإفتاء
وبحسب دار الإفتاء المصرية، فإن الحضانة هي حق للمحضون، والأَوْلَى بها في سِنِيها الأُولى النساءُ؛ لصُلُوحِهنَّ فطريًّا وخِلقيًّا لهذه المهمة النبيلة في رعاية المحضون؛ فهنَّ أقدر مِن الرجال على رعاية المحضون في هذه السنِّ والعناية به والصبر عليه وعلى احتياجاته والبقاء معه بما يكفي لحسن نشأته وصلاح نَباتِه، وأَولى النساء بذلك الأم، فإذا فُقِدَت أو عَجَزَت أو كانت متزوجة بأجنبي عن المحضون تحضن النساء مِن جانبها؛ كأمها وأختها بشرط عدم زواجهنَّ مِن أجنبي عن المحضون، فإن فُقِدنَ أو عَجَزنَ أو كنَّ متزوجات بأجنبي عن المحضون فالنساء من جانب أبي المحضون بشرط عدم زواجهن من أجنبي عن المحضون، فإن فُقِدنَ أو عَجَزنَ أو كنَّ متزوجات بأجنبي عن المحضون فالأولى بالحضانة حينئذٍ الأب.
وأحق الناس بحضانة المحضون أمه، ومن بعدها أمُّ أمِّه وإن عَلَت، فأم الأب وإن عَلَت، فالأخوات الشقيقات، فالأخوات لأم، فالأخوات لأب، فبنت الأخت الشقيقة، فبنت الأخت لأم، فالخالات بالترتيب المذكور في الأخوات، فبنت الأخت لأب، فبنت الأخ بالترتيب المذكور، فخالات الأم بالترتيب المذكور، فخالات الأب بالترتيب المذكور، فعمات الأم بالترتيب المذكور، فعمات الأب بالترتيب المذكور. فإذا لم توجد حاضنة من هؤلاء النساء أو لم يكن منهن أهل للحضانة أو انقضت مدة حضانة النساء انتقل الحق في الحضانة إلى العصبات من الرجال بحسب ترتيب الاستحقاق في الإرث، مع مراعاة تقديم الجد الصحيح على الإخوة.
اقرأ أيضًا: خالد الجندي: العلمانية تطرف وهدفها ضرب وتدمير الدين «فيديو»
حكمة إسقاط حضانة الأم بعد الزواج
والحكمة من سقوط حضانة الأم إذا هي تزوجت، لانشغالها بحق الزوج، وقد يترتب على ذلك الانشغال ضياع حق الطفل، وكذلك خشية المنّة على المحضون، ولأن الزوج قد لا يهتم بتربية ذلك الولد، فيكون في ذلك إضرار بالولد وتضييع لمصالحه، قال الباجي رحمه الله :«وَوَجْهُ ذَلِكَ : أَنَّ الصَّبِيَّ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِتَكَرُّهِ الزَّوْجِ لَهُ ، وَضَجَرِهِ بِهِ ، وَالْأُمُّ تَدْعُوهَا الضَّرُورَةُ إِلَى التَّقْصِيرِ فِي تَعَاهُدِهِ؛ طَلَبًا لِمَرْضَاةِ الزَّوْجِ ، وَاشْتِغَالًا بِهِ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُضِرٌّ بِالصَّبِيِّ ، فَبَطَلَ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ».
ومن أسباب إسقاط حضانة الأم عند زواجها ما في ذلك من المنة على الطفل المحضون، إذا عاش تحت حضن هذا الزوج الجديد، وكل إنسان لا يرضى أن يكون ابنه تحت رجل أجنبي، وكذلك كون هذا الزوج الجديد أجنبيًا من المحضون، وإذا كان أجنبيًا ربما لا يرحمه، ولا يبالي به ضاع أم استقام، ولعل الواقع يظهر الأثر السلبي لبقاء الأطفال مع الأم بعد زواجها فنجد حالات اعتداء من الزوج الجديد على أطفال الزوج القديم، والتمييز بينهم وبين أطفاله من ذات الأم، بل هناك جرائم مخلة بالشرف ارتكبها الزوج الجديد بأطفال الزوج القديم؛ وقال ابن قدامة رحمه الله : «وَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ سَبْعَ سِنِينَ ، خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ ، فَكَانَ مَعَ مَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا».
الولاية التعليمية للأب
وتوضِّح دار الإفتاء، أنه مع حق حضانةُ الأم لأولادها فإنها لا تَسْلُب الأبَ الحقَّ في تربية أولاده المحضونين وتوجيههم ورعايتهم والإشراف عليهم بما يعودُ عليهم بالصلاح والنَّفع في حياتهم، وذلك بولايته الطَبْعِيَّة والشرعيَّة عليهم، وهو مُلزَمٌ برعاية اللهِ تعالى فيهم، مِن باب كونه راعيًا ومسؤولًا عن رعيته، فيختار الأنْفَعَ والأصلحَ لهم، والذي من شأنه أن يكفل لهم حياةً كريمة ويُهَيِّئَهم لأن يعودوا بالنفع على مجتمعهم، ويكون إنفاقه عليهم متوافقًا مع مستوى معيشته ومتناسبًا مع دخله؛ لقوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: 7]؛ فإذا راعى الأب جميع ما سبق في تعليمه لأولاده، فليس للأُم أو لغيرها أن تلزمه فوق طاقته، وإن رأت الأم أن تساهم بمالها لتعليمهم تعليمًا أرقى مما وجب على الأب أن يُلحِقَهم به -حسب حالته المادية- فلا بأس بذلك، بشرط ألَّا يكون في هذا النوع من التعليم ضرر على المحضون في دينهِ أو نفسهِ؛ لأن مدار الحكم في ذلك على تحقيق مصالح المحضون التي كُلِّف الأب برعايتها، وليس له أن يتعنَّتَ في ذلك على حساب المحضون، فإذا بقي النزاع بين الأب والحاضنة قائمًا، فالقاضي هو المُخَوَّل بالفصل بينهما بما يحقق المصلحة للمحضون.