ملحمة العاشر من رمضان.. قصة يرويها العالم منذ 49 عام عن انتصار الصائمين
أحمد الليثي مصر 2030ملحمة العاشر من رمضان الموافقة ليوم السادس من أكتوبر عام 1973 لم تكن مجرد معركة عسكرية لجيش وطني يريد تحرير أرضه من دنس الإحتلال، ولكنها كانت ومازالت قصة تجسد أحداث واقعية لتضحيات بالروح وفداء للوطن من جنود حاربوا وهو صائمون فنصرهم الله.
أسباب انتصار العاشر من رمضان
تخطيط وتجهيز وخداع استراتيجي هذه كانت الأسباب ثم توكل على الله واتخاذ قرار ببدء الهجوم في تمام الساعة الثانية ظهراً وقت الصوم في نهار شهر رمضان الكريم، فكانت النتيجة هي عبور خط بارليف المنيع الذي كان يصنف على أنه أقوى السدود في وقته وحتى وقتنا الحاضر.
صعوبات تخطاها الجندي المصري الصائم بداية من انخفاض المياه والسعرات الحرارية في جسده مروراً بمياه قناة السويس العميقة التي فخخها العدو الإسرائيلي بالنابلم، ثم عبور خط بارليف المنيع، لم تكن مستحيلة أمام جندي درر "الله أكبر" وعقد العزم والنية على تحرير تراب بلاده.
بداية الاحتلال لسيناء
كان يونيو الحزين في عام 1967 ليس كبقية الشهور في التاريخ المصري، بل كان عنوانه النكسة بعد فقدت مصر قطعة من أرضها وهي سيناء الحبيبة بعد احتلال الجيش الإسرائيلي لها، والتي كانت بمثابة ضرب قوية في جسد الوطن استمر ألمها على مدار ست سنوات في قلب كل مصري وعربي.
لم تيأس مصر من المطالبة بحقها على مدار سنوات الاحتلال سواء دبلوماسياً من خلال اللجوء إلى المنظمات والمحافل الدولية، مروراً بحرب الاستنزاف التي لم تقل أهمية عن حرب التحرير في السادس من أكتوبر الموافق يوم العاشر من رمضان عام 1973.
الحرب الدبلوماسية
عقب نكسة يونيو 1967 بدأت مصر حرباً ناعمة على المنصات الدبلوماسية بممارسة ضغوط على الدول العظمى مثل أمريكا والاتحاد السوفيتي، وكذلك لدى الأمم المتحدة وهو مانتج عنه صدور قرار رقم 242 الأممي لمطالبة إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة.
كما أعلنت مصر عن قبولها للعديد من مبادرات السلام مثل مبادرة "يارنج" ومبادرة "روجرز" والعديد من مبادرات أخرى للسلام، ولكن جميعها قوبلت بالرفض من جانب إسرائيل.
تغيير المسار
ولم تجد مصر خيار أمامها بعد أن باءت كافة المبادرات السلمية للحل إلا أن ترفع شعار "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" الذي تم رفعه عقب القمة العربية التي تم عقدها في العاصمة السودانية الخرطوم في 29 أغسطس 1967، والتي شارك فيها زعماء 11 دولة عربية وفي مقدمتهم سوريا والأردن.
مجلس الدفاع الوطني
ثم أنشأ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مجلس الدفاع الوطنى عام 1968، والذي يتكون من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بجانب خمس وزارات أساسية هى وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة الإعلام، ووزارة المالية، بالإضافة لقية الوزارات وعدد من الجهات السيادية.
واختص المجلس بالتنسيق الفعلى فيما بين مؤسسات الدولة للعمل على تذليل العقبات من أجل اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة دون الحاجة إلى الاجراءات الحكومية الروتينية المعروفة، وكذلك العمل على تسهيل كافة العقبات التى تواجه أى خطوة في سبيل الحرب.
إعادة البناء
عمدت الدولة المصرية إلى إعادة البناء على كافة المجالات سواء اقتصادياً من خلال تخزين السلع الاستراتيجي وعلى رأسها القمخ الذي تم استيراده من الخارج على فترات متقطعة في إطار خطة الخداع الاستراتيجي وتم تخزينه ليغطي الاحتياجات على مدار 6 أشهر كاملة استعداداً للحرب.
الاستعداد العسكري
أما على الصعيد العسكري فسعى الجيش المصري إلى إعادة بناء القوات المسلحة من خلال تشكيل قيادات ميدانية جديدة، وكذلك العمل على استحداث الجيشين الثانى والثالث الميدانيين، بالإضافة إلى إعداد قيادات تعبوية جديدة، كما تم إعادة تشكيل قيادات بسلاح الجو المصري.
كما تم وضع نظام تدريب لكل ما هو أساسي للحرب، بالإضافة إلى التدريب على مسرح مشابه لمسرح الحرب الحقيقي، وفي سبيل ذلك تم إنشاء سواتر ترابية على نفس شاكلة خط برليف على ضفاف النيل وبدأ تدريب القوات على عبورها، وفي سياق متصل احتفظت القوات المسلحة بقوتها الرئيسية من المجندين ولم تقم بتسريحهم عقب انتهاء فترة التجنيد لدرجة أن بعض المجندين استمر تجنيدهم لمدة 7 سنوات كاملة.
وتم تدعيم الجيش بأحدث تكنولوجيا للتسليح بالتوازي مع تطوير سلاح المشاه واستبدال الدبابات القديمة بأخرى جديدة وكذلك سلاح المدفعية، حيث تم استبدال المدافعة القديمة بجديدة، وكذلك الأمر مع سلاح الجو المصري وتحديث الطائرات والصواريخ وسلاح المهندسين العسكريين وسلاح الكشف عن الألغام بجانب ابتكار أجهزة جديدة مثل سلاح قاذف اللهب وأجهزة ضخ المياه المحمولة على الأكتاف التي استخدمت في تدمير خط بارليف.
خطة الجمصي
ولا يغفل أحد دور المشير محمد عبد الغنى الجمسى، في إعداد "خطة الخداع الاستراتيجى" والتي احتوت على العديد من النقاط لخداع العدو قبل الحرب المنتظرة وكذلك وضع تصور للهجوم العسكري، وقد نجحت بالفعل الخطة في إقناع العدو الإسرائيلي بأن مصر لن تتخذ قراراً بالحرب في هذا التوقيت.
ملحمة العاشر من رمضان
كافة العوامل السابقة كانت بمثابة حلقات تتصل ببعضها البعض كل منها يسلم الآخر، وصولاً إلى ملحمة العاشرة من رمضان، في تمام الساعة الثانية من ظهر يوم 6 أكتوبر عام 1973، لم يكن يعلم العلم قبل هذا الموعد بدقائق أن هناك هدوءاً يسبق العاصفة، إنها كانت عاصفة التحرير والنصر.
في لحظة واحدة بدأ ما يزيد عن ألفين مدفع ثقيل في قص مواقع العدو الإسرائيل بالتوازي مع بعضهم البعض، لينير لهيب الصواريخ مياة قناة السويس، وبالتوازي عبرت 208 طائرة من قوات سلاح الجوي المصري مياه القناة لتوجيه الضربة الأولى للعدو التي أصابته بالشلل التام وأفقدته السيطرة على الأمور.
وتحت شعار "الله أكبر" بدأ الآلاف من المقاتلين في النزول إلى القوارب المطاطية لعبور مياة قناة السويس، ثم بدأ سلاح المهندسين والجنود المكلفين بهدم خط بارليف المنيع بقاذفات اللهم ومضخات المياه، ثم بدأوا في نصب الكباري، ليعبر الجنود المصريين إلى الجانب الآخر من الضفة لأول مرة منذ احتلالها وخلال 6 ساعات تم تلقين العدو الإسرائيلي وتقديم للعالم درس مصر في الفنون العسكرية وكيفية استرداد الحق لأصحابه.