رمضان 2022.. هل يجوز استطلاع الهلال باستخدام الطائرة؟ الإفتاء تُجيب
أحمد العلامي مصر 2030استطلاع هلال رمضان، يتساءل العديد من المسلمين عن الأحكام الفقهية والخاصة بالعبادات، والعقائد، والتي تشغل فكره وقد يتشكك فيها عقله؛ وعليه ورد سؤال من مجمع البحوث الإسلامية إلى دار الإفتاء -للاختصاص- بناءً على توصية لجنة البحوث الفقهية، باقتراح إمكانية استطلاع الهلال بواسطة طائرة تتسع لخمسة أفراد، وعندما تطير وتصل إلى ارتفاع 11 كيلو مترًا فوق سطح الأرض تكون قد وصلت فوق السحاب، وتكون رؤية الهلال في منتهى الصفاء والوضوح.
استطلاع الهلال باستخدام طائرة مجهزة، وأكمل مجمع البحوث في سؤاله: ونظرًا لبعد الطائرة عن العوامل التي تحجب الرؤية من السحاب والعوادم والأتربة، حيث إن الغيم سبب عدم استطاعة رؤية الهلال، وهذه الطائرات الصغيرة لها ثلاثة اتجاهات للرؤية: من الأمام وعن اليمين وعن الشمال، وسوف نطلب من الشركة المصنعة لهذه الطائرات عمل زجاج من الخلف مع زيادة مسطح الرؤية، وتكون مثل صالون السيارة فما رأي الشرع في ذلك؟
حكم استطلاع الهلال بالطائرة، وأجابت دار الإفتاء على لسان الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق، بأن استطلاع الأهِلَّة عن طريق الطائرات -مع صعوبة تنفيذه عمليًّا- لا يحكي الرؤية الحقيقية المطابقة لرؤية البلد الذي تطير فوقه الطائرة؛ إذ من المقرر في الفقه الإسلامي أن هناك فارقًا في العلامات الشرعية بين الأماكن المرتفعة الشاهقة والأماكن المنخفضة، حتى لو تقاربت في خطوط الطول والعرض، وقد نصَّ الفقهاء على أن ذلك من اختلاف المطالع المؤثر في اختلاف الأحكام الشرعية، ولا شك أن الفرق في المسافة بين الطائرة وسطح الأرض أشد منه تباينًا بين الأماكن المرتفعة والمنخفضة، والسبب في ذلك هو: انحناء سطح الأرض وكرويتها، وهذا يؤدي إلى ما يُسَمَّى بالأفق الظاهري أو الأفق التُّرْسي؛ حيث تزداد سعة أفق الرؤية كلما زاد الارتفاع.
وأفاد المفتي الأسبق، بأن استطلاع الهلال من الطائرة ليس استطلاعًا لهلال البلد الذي تطير فوقه، وأنه لو رآه من في الطائرة فستكون هذه الرؤية معبرةً عمن يكون على هذا الارتفاع وحده، لا عمن هو على سطح الأرض تحته.
استطلاع الأهلة
كيفية استطلاع هلال رمضان، وأجابت دار الإفتاء، على لسان الدكتور شوقي علام، بأن قواعد رؤية هلال الشهور العربية تتضمن: أن الحساب الفلكي القطعي لا يعارض الرؤية الصحيحة، فهو للاستئناس به مع الاعتماد على الرؤية البصرية الصحيحة، وهذا يعني أنه ينفي ولا يثبت، فإذا نفى طلوع الهلال فلا عبرة بقول من يَدَّعِيه، وإذا لم ينفِ ذلك فالاعتماد حينئذٍ على الرؤية البصرية.
اقرأ أيضًا: المقنطرون.. من هؤلاء الذين بشرهم النبي بثواب عظيم؟
وأكمل مفتي الجمهورية: «شهر رمضان إما ثلاثون يومًا لا يزيد عليها وإما تسعة وعشرون يومًا لا ينقص عنها، ويجب على كُلِّ أهل بلدٍ متابعةُ إمامهم في رؤية الهلال من عدمها؛ بشرط إمكان الرؤية بالحساب الفلكي».
خطوات استطلاع الهلال
وأفاد علام، بأن منهج دار الإفتاء المصرية يتمثَّل في الخطوات التالية:
1- أنَّ الرؤية تكون لجميع الشهور؛ وذلك من أجل الوصول إلى أصوب تحديد لأوائل الشهور الثلاثة ذات الأهمية في عبادة المسلمين.
2- أن الرؤية تكون عن طريق اللجان الشرعية العلمية التي تضم شرعيِّين وتضم مختصين بالفلك.
3- أن هناك رؤية بصرية نعتمدها مع الحساب الفلكي الدقيق.
وأشارت دار الإفتاء، إلى صدور قرار مجمع البحوث الإسلامية سنة 1966م، واتفقت المؤتمرات الفقهية كمؤتمر جدة، وغيره على الاستئناس بالحسابات الفلكية القطعية مع الاعتماد على الرؤية البصرية الصحيحة، وهذا يعني أن الحساب ينفي ولا يثبت، وأنه يُعَدُّ تهمةً للرائي الذي يدعي خلافه؛ ونقل العلامة القليوبي في "حاشيته على شرح المحلي على المنهاج" عن الإمام العبَّاديِّ قوله: [إذا دلَّ الحساب القطعي على عدم رؤية الهلال لم يُقبَل قولُ العدول برؤيته، وتُرَدُّ شهادتُهم، ثم قال: وهو ظاهرٌ جليٌّ، ولا يجوز الصَّوم حينئذٍ، ومخالفةُ ذلك معاندةٌ ومكابَرَةٌ] اهـ.
ولفت، إلى أنه إذا نفى الحساب القطعي طلوع الهلال فلا عبرة بقول من يَدَّعِيه، وإذا لم ينفِ ذلك فالاعتماد حينئذٍ على الرؤية البصرية في إثبات طلوعه من عدمه.
اقرأ أيضًا: قصر عمر بن الخطاب في الجنة.. بشره به النبي ﷺ
ومن القطعيِّ أيضًا أنَّ شهر رمضان لا يكون أبدًا ثمانية وعشرين يومًا ولا يكون كذلك واحدًا وثلاثين يومًا؛ بل هو كبقية الشهور القمرية: إما ثلاثون يومًا وإما تسعة وعشرون يومًا؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي ثَلَاثِينَ، ثُمَّ قَالَ: «وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ؛ يَقُولُ مَرَّةً ثَلَاثِينَ، وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ. متفق عليه، وفي روايةٍ رواها ابن خزيمة في "صحيحه" والحاكمُ في "المستدرك" وصححها على شرط الشيخين: «إنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ الأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَشْهُرَ لا تَزِيدُ عَلَى ثَلاثِينَ» واللفظ للحاكم، وقد نقل الإجماعَ على ذلك الإمامُ ابن رُشْدٍ في "بداية المجتهد" وغيرُه.
وإذا رُؤِي مثلًا هلالُ شوال في مصر ولم يُرَ في البلد الأخرى أو بالعكس مع كون الرؤيتين داخلتين في نطاق الإمكان الفلكيِّ ومع صحة عدد أيام الشهر، فإن الصائم يتبع حينئذٍ هلال البلد الذي هو فيها؛ صيامًا أو إفطارًا؛ إذ لا محظور حينئذٍ من زيادةٍ على الشهر أو نقصٍ فيه أو مخالفةٍ للحساب القطعي؛ وبناءً على ذلك: فيجب على كُلِّ أهل بلدٍ متابعةُ إمامهم في رؤية الهلال من عدمها؛ وذلك بشرط إمكان الرؤية بالحساب الفلكي.
منهج دار الإفتاء المصرية
1- أنَّ الرؤية تكون لجميع الشهور، ولا تقتصر على الشهور التي تتعلق بها العبادات الشرعية الإسلامية؛ وهي شهر رمضان وشوال وذي الحجة؛ وذلك حتى تنضبط رؤية هلال رمضان وهلال ذي القعدة، وذلك من أجل الوصول إلى أصوب تحديد لأوائل الشهور الثلاثة ذات الأهمية في عبادة المسلمين.
2- أن الرؤية تكون عن طريق اللجان الشرعية العلمية التي تضم شرعيين وتضم مختصين بالفلك، وعددها سبع لجان، مبثوثة في أنحاء جمهورية مصر العربية في طولها وعرضها، في أماكن مختارة من هيئة المساحة المصريَّة ومن معهد الأرصاد بخبرائه وعلمائه، فيها شروط الجفاف وشروط عدم وجود الأتربة والمعوقات لرصد الهلال.
3- أن هناك رؤية بصرية نعتمدها مع الحساب الفلكي الدقيق، والحساب الفلكي يحدد لنا أمرين: الأول: هو مكان نزول القمر، وبمعنى أدق: الإحداثيات التي ينزل فيها القمر في هذا الشهر، والأمر الثـاني: هو كيفية غروب القمر.
4- أن كيفية نزول القمر تتمثل في خمس حالات:
• الحالة الأولى: أن يغرب قبل غروب الشمس.
• الحالة الثانية: أن يغرب مع غروب الشمس.
• الحالة الثالثة: أن يغرب بعد غروب الشمس وقبل الاجتماع بالشمس في كبد السماء.
وفي هذه الأحوال لا يمكن اعتماد الشهر؛ لأن الشهر لم يولد شرعًا.
• الحالة الرابعة: هي أن ينزل القمر بعد الشمس ولكن قبل مضي 15 ساعة و40 دقيقة من الاجتماع والافتراق بين الشمس والقمر.
وفي هذه الحالة لا تنعكس أضواء الشمس على جرم القمر، مما يستحيل معه رؤية الهلال في هذه الحالة.
• الحالة الخامسة: أن يغيب القمر بعد غروب الشمس، بشرط أن يكون هذا المغيب بعد 15 ساعة و40 دقيقة أو أكثر من افتراق الشمس مع القمر، فإننا نثبت -إذا ما رؤي الهلال حينئذٍ- ولادة الشهر.
وهذه المدة أتت من أن الأرصاد الفلكية في العالم كله والمراصد العظمى الجبارة لم تستطع أن ترصد الهلال في أقل من 15 ساعة و40 دقيقة بعد الافتراق؛ فهذا إجماع بين الفلكيين.
رد دعوى من يرى الهلال
فإذا كانت هناك دعوى للرؤية وقد فُقِدَت شروط الاعتماد -كأن غرب القمر قبل الشمس، أو معها، أو بعدها وقبل الاجتماع والافتراق، أو بعدها وبعد الاجتماع والافتراق ولكن قبل مضي 15 ساعة و40 دقيقة- ففي كل هذه الأحوال لو ادعى أحدهم أنه رأى الهلال فإن شهادته ترد؛ بموجب قرار مجمع البحوث الإسلامية سنة 1966م من أن الحساب -ولأنه قطعي- يمثل تهمة للرائي الذي يدعي خلافه، ونص قرار المجمع في مؤتمره الثالث، المنعقد في الفترة من 30 من سبتمبر إلى 27 من أكتوبر سنة 1966م: [(أ) أن الرؤية هي الأصل في معرفة دخول أي شهر قمري كما يدل عليه الحديث الشريف، فالرؤية هي الأساس، لكن لا يُعتمَد عليها إذا تمكنت فيها التُّهَم تمكنًا قويًّا. (ب) يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتر والاستفاضة، كما يكون بخبر الواحد ذكرًا كان أو أنثى، إذا لم تتمكن التهمة في إخباره لسبب من الأسباب، ومن هذه الأسباب: مخالفة الحساب الفلكي الموثوق به الصادر ممن يوثق به] اهـ.
وإذا وافقت الرؤية الحساب -على النحو المتقدم- فإن الشهر يثبت بتلك الرؤية، ومصر على مر عقود من الزمن لم تختلف الحسابات الفلكية في القول باستحالة الرؤية، أو بإمكانها مع نتائج الرؤية الفعلية التي تقوم بها اللجان الشرعية.
ودار الإفتاء المصرية ملتزمة في ذلك بقرارات مؤتمر جدة التي لا تخرج عن منهج دار الإفتاء المصرية من اعتماد على الرؤية البصرية من ناحية والاستئناس بالحسابات الفلكية الدقيقة من ناحية أخرى.
• آراء لم تأخذ بها دار الإفتاء المصرية:
- القول باشتراط بقاء الهلال بعد غروب الشمس أكثر من 16 أو 20 دقيقة أو نحو ذلك.
- الأخذ بالحساب الفلكي مطلقًا في اعتبار بداية الشهر من حين افتراق القمر عن الشمس بعد اجتماعهما.
- الاكتفاء بالحسابات الفلكية تمامًا على نمط معين.
- الاعتماد المطلق على الرؤية البصرية مهما خالفت أو وافقت الحساب الفلكي.
وبهذا يتضح المنهج الذي تسير عليه دار الإفتاء المصرية في رؤية الهلال وفي ثبوت الشهر العربي.