درس التراويح بالجامع الأزهر: المسلم الصادق في عبادته لا يتعلق بغير الله ولا تصرفه الدنيا عن الغايات العليا


أكد فضيلة الدكتور محمود الهواري، رئيس الإدارة المركزية للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، خلال درس التراويح بالجامع الأزهر، اليوم الأربعاء، أن الصيام ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو وسيلة تهذيبية تعمل على ارتقاء الأحاسيس، وإيقاظ القلوب، وتصويب الفهم، وتوجيه العقول إلى مراد الله عز وجل. وأن هناك من يقف عند ظاهر التدين دون التعمق في جوهره، فيؤدي العبادات شكليًا دون أن يدرك مقاصدها العميقة، في حين أن الغاية الكبرى من الصيام أن يكون المسلم على بصيرة بعبادته، وأن يفطن إلى ما وراء الصيام من حكم وأهداف، تدفعه إلى السمو الروحي والتقرب إلى الله بصفاء وإخلاص.
وأشار فضيلته خلال حديثه في الليلة السادسة من شهر رمضان المبارك إلى أن من أعظم ما يعين المسلم على إدراك هذه الأهداف هو وضوح الرؤية وتحديد الغاية التي يسير إليها، مستشهدًا بسيرة الإمام يحيى بن يحيى الليثي، تلميذ الإمام مالك، الذي لقبه شيخه بـ«عاقل الأندلس»، إذ كان في مجلس العلم يومًا، فدخل رجل ينادي التلاميذ لمشاهدة الفيل، فانصرف الجميع إلا يحيى، الذي بقي في مكانه منصتًا للإمام مالك، وعندما سأله شيخه عن سبب بقائه قال: «ما جئت من بلدي لأرى الفيل، وإنما جئت لأتعلم من علم مالك». وهكذا ينبغي أن يكون المسلم في عبادته، واضحًا مع نفسه، محددًا لهدفه، لا تشتته الصوارف، ولا تلهيه الملهيات، بل يبقى على طريقه، ثابتًا على صراط الله المستقيم.
وتابع الدكتور الهواري حديثه مؤكدًا أن الصدق في العبادة هو الذي يحفظ الإنسان من الانحراف، ويجعله متعلقًا بالله وحده، فلا يلتفت إلى غيره، مستشهدًا بقصة رجل أعجب بامرأة وأراد خطبتها، فقالت له: «إن من ورائي أختًا أجمل مني». فنظر فلم ير شيئًا، فقالت له: «يا كذوب، لو صدقتَ ما التفت». موضحًا فضيلته من خلال هذه الموقف أن المسلم الصادق في عبادته لا تتعلق نفسه بغير الله، ولا تصرفه الدنيا عن الغايات العليا، فلو صدق في توجهه إلى الله، ما التفت إلى الدنيا وزخرفها، ولو صدق في فهمه لمعاني الصيام، ما قصر فيه، ولا اكتفى بصورته الظاهرة دون جوهره العميق.
وشدد فضيلته على أن الصيام عبادة تتجاوز حدود الامتناع عن المفطرات إلى تربية النفس على المراقبة الدائمة لله، وإصلاح القلب، وتصفية الروح، بحيث يصبح الإنسان أكثر استشعارًا لمعاني العبودية، وأكثر التزامًا بمقتضيات الإيمان. فمن فهم الصيام فهمًا صحيحًا، أدرك أن وراء كل حكم شرعي حكمة، ووراء كل عبادة مقصد، وأن المطلوب ليس الوقوف عند المظاهر، بل الجمع بين الشكل والمضمون، وبين الصورة والجوهر، فيتحقق بذلك التوازن في حياة المسلم، ويترقى في معارج الإيمان.
وفي ختام حديثه، دعا الدكتور الهواري المسلمين إلى اغتنام هذا الشهر الكريم في تصفية النفوس، وإدراك الغايات العظمى التي أرادها الله من عباده، مشددًا على أن رمضان فرصة عظيمة لمراجعة الذات، وتصحيح المسار، وتعزيز الصلة بالله.
ويواصل الجامع الأزهر تقديم دروس التراويح ضمن خطته الدعوية لشهر رمضان المبارك، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والتي تتضمن مقارئ قرآنية، ملتقيات دعوية، دروسًا علمية، صلاة التهجد في العشر الأواخر، وتنظيم موائد إفطار للطلاب الوافدين، وذلك في إطار دور الأزهر في نشر الوعي الديني وترسيخ القيم الإسلامية.