معهد الثقافة العربية في ميلانو.. جسر بين الشرق والغرب
إسلام محمود مصر 2030يشكل افتتاح الشيخ الدكتور سلطان القاسمى، للمعهد الثقافى العربى فى جامعة القلب المقدس الكاثوليكية، بمدينة ميلانو الإيطالية، تحولا فى تعزيز العلاقات الثقافية بين الإمارات العربية المتحدة وإيطاليا، حيث يعتبر المعهد مقدمة لإنشاء سلسلة معاهد للثقافة العربية، فى عواصم المعرفة والإبداع، بهدف مد جسور التواصل والحوار، وتعزيز العلاقات الثقافية بين الحضارة العربية والغربية، وإظهار حجم مساهمة العرب فى النتاج العلمى والإبداعى الإنسانى.
يعمل المعهد على توسيع مهرجان اللغة العربية، الذى ترعاه هيئة الشارقة للكتاب فى ميلانو، ليشمل أنشطة أكثر تنوعا، مثل قراءات الشعر وورش العمل اللغوية والمناقشات الجماعية، ويخصص جانبا من أنشطته لتنظيم معارض كتب سنوية وفاعليات أدبية وورش عمل وندوات تفاعلية بين الثقافة العربية والأوروبية.
يشكل نقطة التقاء بين الثقافتين العربية، والغربية وبين الكتاب والمثقفين العرب، ويستهدف الأجيال الجديدة من الشباب الإيطاليين المحبين للغة العربية والباحثين والدارسين للثقافة العربية وأدباء المهجر، كما يتيح الفرصة لتعلم فنون الخط العربى، والثقافة العربية فى إيطاليا، وحضور اسم دولة الإمارات فى كل مكان.
يعد هذا المعهد الأول من نوعه للثقافة العربية فى إيطاليا، ليكون إيذانا بانطلاق مبادرات دولية إماراتية، تنطلق من الشارقة فى عدد من بلدان العالم، عبر إنشاء سلسلة من معاهد الثقافة العربية فى عواصم المعرفة والإبداع، بهدف مد جسور التواصل والحوار، وتعزيز العلاقات الثقافية بين الحضارة العربية والغربية، وإظهار حجم مساهمة العرب فى النتاج العلمى والإبداعى الإنسانى.
يسعى إلى تسهيل الشراكات بين الناشرين العرب والإيطاليين لترجمة الأعمال العربية إلى اللغة الإيطالية وغيرها من اللغات الأوروبية، إلى جانب إطلاق مجلة أدبية مشتركة باللغتين العربية والإيطالية، تضم أعمالا لكتاب وأدباء عرب وأوروبيين، بالإضافة إلى تطوير منصة رقمية تتيح للأفراد اكتشاف جوانب الثقافة العربية وكنوز الأدب العربى.
يستهدف المعهد الأجيال الجديدة من الشباب الإيطاليين، والباحثين والدارسين للثقافة العربية، وأدباء المهجر، إذ يعتبر أول معهد متخصص فى إدارة البرامج والسياسات الثقافية العربية فى إيطاليا، حيث سيتولى تنظيم برامج تعلم اللغة العربية، ويطلق منحاً لبرامج التبادل الثقافى، إلى جانب إعداد أنشطة مخصصة للطلاب والشباب والكتاب الواعدين.
يقدم تجربة ثقافية شاملة تتجاوز حدود التبادل الثقافى، تتيح للمشاركين التعرف على اللغة والثقافة العربية، والاستفادة من منح التبادل بين الطلاب والباحثين من كلا الجانبين فى إثراء الخبرات التعليمية، واستكشاف مكامن الإبداع فى كتب التراث العربى والإيطالى، إلى جانب دور المعهد فى دعم المواهب الناشئة فى مساعدة الكتاب الناشئين العرب والإيطاليين، على تطوير مهاراتهم والحصول على الاعتراف الجماهيرى والنخبوى بنتاجاتهم الأدبية والفكرية.
يحقق المعهد تأثيرا ملموسا، ونتائج إيجابية واسعة النطاق، من خلال رصد مجموعة من المؤشرات القابلة للقياس، بما فى ذلك زيادة عدد الأعمال الأدبية المنشورة والمترجمة، وارتفاع معدلات التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعى، ونمو عدد الشركات والمؤسسات الداعمة، وزيادة عدد المشاركين فى البرامج التعليمية وورش العمل. وبهذه الطريقة، يسهم المعهد فى بناء مجتمع ثقافى حيوى ومتفاعل، ويعزز مكانة الثقافة العربية على المستوى الإقليمى والعالمى.
كما أن المعهد يسهل الشراكات بين الناشرين العرب والإيطاليين لترجمة الأعمال العربية إلى اللغة الإيطالية، وغيرها من اللغات الأوروبية، إلى جانب إطلاق مجلة أدبية مشتركة باللغتين العربية والإيطالية، تضم أعمالا لكتاب وأدباء عرب وأوروبيين، بالإضافة إلى تطوير منصة رقمية تتيح للأفراد اكتشاف جوانب الثقافة العربية وكنوز الأدب العربي، ويستهدف المعهد الأجيال الجديدة من الشباب الإيطاليين والباحثين والدارسين للثقافة العربية، وأدباء المهجر.
لغة رب العالمين
جرت وقائع الاحتفال بافتتاح المعهد منذ أيام، حيث ألقى الشيخ الدكتور سلطان القاسمى كلمة، عبر فيها عن سعادته بنجاح العلاقة التى تجمع الشارقة بجامعة القلب المقدس الكاثوليكية، وإثمارها افتتاح المعهد الثقافى العربى الذى تحتضنه الجامعة فى رحابها، لافتا النظر إلى أن العلاقة مع الجامعة منذ سبع سنوات، شهدت زيارة كثير من الطلبة والطالبات للشارقة، لحضور المؤتمرات والأحداث الثقافية والتعليمية المتنوعة.
أوضح أنه خلال بحثه بين المعاجم والقواميس العربية عن أصول هذه اللغة، من حيث نشأتها ومرجعها، وجد من ادعوا أن هناك لغة تسمى السامية استنبطوها من سام ابن نوح، وأن له ابنا يسمى آرام، وهى أساسا إرم التى على وزن هرم وورم، وتعنى الأرض المرتفعة التى نزل بها قوم عاد، بعد أن كانوا فى أطراف عمان.
أضاف: «قيل إن آدم نزل هو وحواء من شرق إفريقيا ومن هناك انتشروا، وقيل أقرب مكان لمن انتشروا هو الجزيرة العربية وقد عبروها فى دقائق ذلك الوقت، وأخذت أبحث فى كل الدراسات وبكل دقة، حتى وجدت أن هذه الآثار الأولية لأبناء آدم تكتشف فى الشارقة، من بروفيسور هانز من جامعة تيوبنغ، وكانت الهجرات لا ترمز إلى عبورهم فى الجزيرة هنا، ولكن بعد هذا الاكتشاف تم تصحيح الخرائط القديمة، ووضع خط أحمر يخرج من شرق إفريقيا إلى الجزيرة العربية حتى يصل إلى الشارقة، وهذا فخر للشارقة أن يكون بها الأوائل من أبناء آدم».
أشار إلى أنه نتيجة لبحثه، وجد أن اللغة العربية هى نفسها اللغة التى خرجت إلى الجزيرة العربية، معبراً عن سعادته الكبيرة مع كل اكتشاف يؤكد أن هناك كلمات عربية أصيلة، قد لا تستعملها الشعوب العربية لقدمها ولكنها موجودة فى القواميس، لافتا النظر سموه إلى جهود إنجاز المعجم التاريخى للغة العربية.
اختتم حاكم الشارقة كلمته قائلا: «اللغة العربية هى لغة رب العالمين لآدم، وهذه اللغة هى التى وجه بها رب العالمين جدنا آدم ليعمر هذه الأرض، ونحن نأمل أن نعمر الأرض ولا نخربها، بل نمد يدنا للتعاون فى المجالات الإنسانية، وليس فى المجالات التخريبية، ونحمى هذه الثقافة أكانت عربية أم إيطالية أم لاتينية أم أى ثقافة نحافظ عليها من العبث، وما يحدث من عبث آلمنا كثيرا، فما شاهدناه فى المهرجان الذى أقيم فى باريس (الأوليمبياد) من تشويه لسيدنا المسيح عليه السلام، نحن وغيرنا لا نقبلها، ومن هنا نحتج ونُعلى صوتنا: لا للعبث لا للعبث، لنحمى لغتنا وعقائدنا وثقافتنا، فهذه الخطوات مطلوبة لكل إنسان يريد أن يعيش على هذه الأرض فى سلام».
ألقت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمى، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، كلمة خلال حفل الافتتاح، عبرت فيها عن سعادتها باللحظة التاريخية لافتتاح المعهد، مؤكدة أن هذه المناسبة تجسيد عملى للإرادة الصادقة والرؤية الدائمة، فى تعزيز الحوار الثقافى والتعاون الأدبى بين الشارقة والعالم بأسره، والوجود هنا اليوم يعنى بداية فصل جديد فى مسيرة الشارقة الثقافية والأدبية، مسيرة تمضى بها الشارقة لتتخطى الحدود، وتعبر القارات براية الأدب الذى طالما جمع القلوب ووحد العقول منذ الأزل.
قالت د. إيلينا بيكالى رئيسة جامعة القلب المقدس الكاثوليكية، كلمة رحبت خلالها بحاكم الشارقة، فى رحاب الجامعة لافتتاح المعهد الثقافى العربي، مؤكدة أن المعهد لا يعد مركزا ثقافيا وتعليميا جديدا فقط، بل مبادرة مهمة وخطوة ستعزز بشكل أكبر، التعاون المثمر الذى أقامته جامعة القلب المقدس الكاثوليكية منذ فترة طويلة مع العالم العربي، وخصوصا مع إمارة الشارقة.
بعد ذلك توجه الشيخ سلطان القاسمى إلى مبنى المعهد الثقافى العربى، حيث أزاح الستار عن لوحته التذكارية إيذانا بافتتاحه رسميا، ليطلع بعدها على معرض آثار الشارقة الدائم الذى يحمل عنوان «التراث الحضارى لإمارة الشارقة» وتنظمه هيئة الشارقة للآثار فى مبنى المعهد وتعرض هيئة الشارقة للآثار فى المعرض 83 قطعة أثرية من الكنوز الأثرية المهمة، تمثل جميع الفترات الحضارية المكتشفة فى إمارة الشارقة.
منصة
شهد المعهد إقبالا لافتا للنظر، خلال أول يومين من افتتاحه، حيث تجاوز عدد طلبات الانتساب إليه أكثر من 300 طلب، فى تظاهرة تؤكد الحاجة الملحة لوجود منصة تجمع الثقافتين العربية والأوروبية، وتوحد الكتاب والناشرين وعشاق الثقافة لتبادل الأفكار، وتنظيم المبادرات والفاعليات والمشاريع التعاونية التى تسلط الضوء على ثراء الأدب والثقافة العربية، وتساعد الجمهور الأوروبى على معاينة جماليات وأسرار الحضارة والثقافة العربية.
لاقى الافتتاح احتفاء إيطاليا كبيرا، خصوصا فى المشهد الإعلامى والأكاديمى، حيث تناولت كبرى وسائل الإعلام خبر افتتاح المعهد، وإعلان انطلاق مبادرة إماراتية من إمارة الشارقة، تستهدف تأسيس سلسلة من المعاهد الثقافية فى عدد من عواصم المعرفة والإبداع فى العالم.
وأشادت كبرى الصحف والمحطات الإعلامية الإيطالية بالمعهد، وعنونت صحيفة «الأفينيير»، التى تعتبر واحدة من الجرائد الإيطالية التاريخية، أولى صفحاتها بـ «معهد الثقافة العربية فى ميلان، جسر بين الشرق والغرب»، ووصفت تدشين المعهد بالحدث التاريخي، كما نشرت جريدة «كورييرى ديلا سيرا» مقالا بعنوان «مركز للثقافة العربية فى الجامعة الكاثوليكية، مكان للدروس والعلوم والنشر: جسر للبحث والتقارب».
عرضت إحدى الصحف تقريرا شاملا عن برنامج عمل المعهد، والرؤية التى ينطلق منها، وأشادت بتأثيره على الحراك الثقافى الإيطالى، ودوره فى فتح أفق للحوار والتواصل مع الثقافة العربية، فيما وصفته إحدى وكالات الأنباء بأنه بوابة مفتوحة أمام الإيطاليين للدخول إلى جماليات الحضارات العربية، وما قدمته من معرفة وعلوم وإبداع عبر العصور.
مشروع الشارقة الثقافي
قال أحمد بن ركاض العامرى، الرئيس التنفيذى لهيئة الشارقة للكتاب، إن الإقبال على المعهد يؤكد حاجة المجتمعات إلى اكتشاف الثقافات، وبناء جسور التواصل بين نظيرتها من مختلف بلدان العالم، وفرصة لتوسيع حجم المشترك الإنسانى بين الأمم والشعوب.
وأضاف أن نجاح المعهد ينهض بالحراك الثقافى المتبادل بين المنطقة العربية وبلدان أوروبا، ويعد منصة فريدة لتبادل الأفكار والمعارف بين الثقافات، ويضمن الحفاظ على التراث الثقافى العربى ونشره عالمياً، لترسيخ الصورة الحضارية المشرقة للأمة العربية والإسلامية، لدى الأجيال الحالية والقادمة من أبناء العالم.
أشار العامرى إلى أن هذه المبادرة، تأتى فى إطار مشروع الشارقة الثقافى والتنويرى والحضارى منذ خمسة عقود، وتأتى المبادرة بدعم الحاكم الحكيم الذى يرى دائما فى الثقافة معنى الوجود الفاعل للأمة، ومعنى الإخاء الإنسانى، ومعنى الحوار بين الشعوب، ومعنى التعاون والشراكة والخير والوئام والمحبة والاحترام».
قال الدكتور وائل فاروق مدير المعهد الثقافى العربى أستاذ اللغة والأدب العربى فى جامعة القلب المقدس الكاثوليكية، إن المعهد ثمرة تعاون بين الجامعة وهيئة الشارقة للكتاب، استمر أكثر من 7 أعوام من العمل المشترك استطعنا من خلاله تنظيم العديد من الفاعليات الثقافية، وصولا إلى تتويج هذا التعاون بافتتاح المعهد الثقافى العربى، والذى سيمثل سفارة دائمة لهيئة الشارقة للكتاب فى أوروبا.
أوضح أن المعهد سينظم من ضمن أعماله ورش عمل وفصول دراسية ولقاء شهرى إلى جانب المهرجان الدولى، الذى ينظم كل شهر مارس من كل عام حيث استقطب المهرجان الماضى أكثر من 60 مثقفا وأديبا وأكاديميا من 19 دولة من دول العالم، لافتا النظر إلى أن الانضمام للمعهد سيتاح أمام كل محبى اللغة العربية والمهتمين بجمالياتها.
أشار إلى أن أولى فعاليات المعهد هى ورشة عمل حول الخط العربى بمشاركة 30 شخصا لتعليم فن الكتابة باللغة العربية، إلى جانب تنظيم ندوة لكتاب الأطفال، حيث سيعرض عليهم الحكايات الشعبية العربية لتمثل مرجعية عند الكتابة للأطفال فى إصداراتهم المقبلة، موضحا أن الجامعة تشارك منذ أكثر من 7 أعوام فى فاعليات معرض الشارقة الدولى للكتاب، وفى ندوات ثقافية أخرى كما تتمتع بعلاقات وتعاون مميز مع مجمع اللغة العربية بالشارقة.
من جانبه قال الدكتور عبد العزيز المسلم - رئيس معهد الشارقة للتراث - إن المعهد يأتى برؤية و بفكر عربى مختلف عن غيره من المعاهد والمراكز العربية المنتشرة فى أوروبا، وسيكون واحدا من شبكة المعاهد التى سيتم افتتاحها فى دول عديدة فى العالم، تسعى لتحسين صورة الإنسان العربى أمام الغرب، واستقطاب محبى اللغة العربية وثقافتها.