«نعمة الماء» موضوعًا لخطبة الجمعة المقبلة بمساجد وزارة الأوقاف
محمود عمر مصر 2030حددت وزارة الأوقاف المصرية، موضوع خطبة الجمعة القادمة 9 أغسطس 2024م بعنوان : نعمة الماء.
وقالت الأوقاف إن الهدف المراد توصيله إلى جمهور المسجد من خلال هذه الخطبة يهدف إلى التحذير البالغ من الإسراف ولو في قطرة ماء، ولو في الوضوء، ولو كان على نهر جار.
وأضافت أن غرض الخطبة بيان خطورة الإسراف في الماء في العبادات والعادات وغيرها ، وقد حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من الإسراف في الوضوء ، عدُّ الفقهاءِ الإسرافَ في الماء من مكروهات الوضوء ، مع وجوب شكر نعمة الماء بالحفاظ عليها، وتنميتها، وعدم تلويثها .
وفيما يلي نص خطبة الجمعة :
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، بَدِيعِ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ، وَنُورِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَهَادِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، أَقَامَ الكَوْنَ بِعَظَمَةِ تَجَلِّيه، وَأَنْزَلَ الهُدَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَمُرْسَلِيه، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، شَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَقَدْ سَمِعْنَا فُقَهَاءَنَا الكِرَامَ وعلماءنا الأجلاء يَعُدُّونَ الإِسْرَافَ فِي اسْتِعمَال المَاءِ مِنْ مَكْرُوهَاتِ الوُضُوءِ، وَيُحَذِّرُونَ مِنْهُ تَحْذِيرًا شَدِيدًا، حَتَّى قَالَ أَحَدُهُمْ:
مَكْرُوهُهُ فِي المَاءِ حَيْثُ أَسْرَفَا وَلَوْ مِنَ البَحْر الكَبِيرِ اغْتَرَفَا. وَيَسْتَدِلُّونَ لِذَلِكَ بقَوْلِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) وَهُوَ يَتَوَضَّأُ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ فقَالَ سَعْدٌ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ».
أَرَأَيْتُم كَيْفَ أَنْكَرَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى مَنْ أَسْرَفَ فِي اسْتِعْمَالِ المَاءِ فِي الوُضُوءِ إِنْكَارًا شَدِيدًا؟ أَرَأَيْتُمْ كَيْفَ عَدَّ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنَ الإِسْرَافِ فِعْلَ ذَلِكَ الَّذِي يَزِيدُ وَيَتَجَاوَزُ فِي اسْتِعمَالِ المَاءِ وهو يَتَوَضَّأُ مِنْ نَهْرٍ جَارٍ لَا يَنْضَبُ!
كَمَا يَسْتَدِلُّ فُقَهَاؤُنَا الكِرَامُ وعلماؤنا الأجلاء عَلَى كَرَاهِيَةِ الإِسْرَافِ فِي المَاءِ أَثْنَاءَ الوُضُوءِ بِحَدِيثِ الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ الوُضُوءَ، فَأَرَاهُ (صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ) الوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: (هَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا، فَقَدْ أَسَاءَ، أَوْ تَعَدَّى، أَوْ ظَلَمَ).
أَرَأَيْتُمْ إِلَى هَذِهِ العِبَارَاتِ الشَّدِيدَةِ القَوِيَّةِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا نَبِيُّنَا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِيَصِفَ بِها المُسْرِفَ فِي اسْتِعْمَالِ المَاءِ في الوُضُوءِ؟! (أَسَاءَ، تَعَدَّى، ظَلَمَ)، انْتَبِهُوا عِبَادَ اللهِ! إِنَّهَا أَوْصَافٌ طَالَتِ المُسْرِفَ فِي المَاءِ وَهُوَ يَتَوَضَّاُ!
أَيَخْطُرُ فِي بَالِ أَحَدِكُمْ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ الوُضُوءَ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمُقَدِّمَةٌ لِعِبَادَةٍ جليلة هِيَ الصَّلَاةُ أَنَّ المُسْرِفَ فِي المَاءِ يُوصَفُ بِكُلِّ تِلْكَ الأَوْصَافِ الشَدِيدَةِ؟! ويُحَذَّر كُلَّ هَذَا التَّحْذِيرَ البَلِيغَ؟! فَكَيْفَ بِمَنْ يُسرِفُ وَهُوَ يَسْتَعْمِلُ المَاءَ فِي العَادَاتِ؟! كَيْفَ بِمَنْ يُهْدِرُ المَاءَ فِي مَا لَا يَنْفَعُ؟!
إِلَى هَذَا الحَدِّ يُعَظِّمُ الشَّرْعُ نُقْطَةَ المَاءِ؟! إِلَى هَذَا الحَدِّ يُوقِظُ الوَحْيُ فِينَا الشُّعُورَ بقَدْرِ كُلِّ نُقْطَةِ مَاء؟!
إِنَّ دِينَنَا القَوِيمَ يَعُدُّ الإِسْرَافَ صِفَةً ذَمِيمَةً نَهَى عَنْهَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ لَا يُحِبُّ المُتَّصِفِينَ بِهَا، فَقَالَ (عَزَّ مِنْ قَائِلٍ): {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ}، قَالَ عَطَاءٌ رَحِمَهُ اللهُ: «نُهُوا عَنِ الإِسْرَافِ فِي كُلِّ شَيْءٍ»، فَالإِسْرَافُ سَبِيلُ الهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، يَقُولُ رَبُّنَا (عَزَّ وَجَلَّ): {وَأَهْلَكْنَا المُسْرِفِينَ}.
أَبَعْدَ هَذَا التَّحْذِيرِ الشَّدِيدِ الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي النُّصُوصِ الشَّرِيفَةِ يَسْمَحُ أَحَدُنَا لِنَفْسِهِ أَنْ يُضَيِّعَ قَطْرَةَ مَاءٍ؟! يَغْسِلُ يَدَيْهِ وَيَتْرُكُ المَاءَ جَارِيًا بِلَا فَائِدَةٍ مُنْشَغِلًا بِحَدِيثِهِ مَعَ صَدِيقِهِ! يَتْرُكُ المَاءَ سَائِلًا وَهُوَ مُنْشَغِلٌ بِمُحَادَثَةٍ هَاتِفِيَّةٍ! إِنَّ هَذَا لمِنَ الإِسْرَاف الذّمِيم، وَللهِ دَرُّ القَائِلِ:
إِيَّاكَ وَالإِسْـَرافَ فِـيمَـا تَبْتَغِي
فَلَرُبَّـَما أَدَّى إِلَى التَّـقْتِـيـرِ
وَاسْتَعْمِلِ القَصْدَ الوَفِيرَ تَفُزْ بِهِ
وَاسْتَبْدِلِ التَّبْذِيرَ بِالتَّدْبِيرِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
إن نُقْطَةَ المَاءِ تُسَاوِي حَيَاةً، وَإِهْدَارَ نُقْطَةِ الماءِ قَدْ يَعْنِي إِهْدَارَ حَيَاةٍ، إِنَّ المَاءَ سِرُّ الوُجُودِ، وَبِدُونِهِ لَا يَحْيَا مَوْجُودٌ، هُوَ سِرُّ البَقَاءِ وَمَصْدَرُ الرَّخَاءِ، إن المَاءَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ تَسْتَحِقُّ شكرًا عَظِيمًا يَحْفَظُهَا وَيُبَارِكُهَا، يَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، وَيَقُولُ ابْنُ عَطَاءِ اللهِ السَّكَنْدَرِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النِّعَمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوالِها، وَمَنْ شَكَرَها فَقَدْ قَيَّدَها بِعِقالِها».
أَفَلَا نَشْكْرُ نِعْمَةِ المَاءِ بِالحِفَاظِ عَلَيْهَا، وَتَرْشِيدِ اسْتِخْدَامِهَا، وَتَنْمِيَتِهَا؟! إِنَّ مَنْ يَشْكُرُ اللهَ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ المَاءِ لَا يَضُرُّ بِالمَاءِ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الإِضْرَارِ، لَا يُسرِفُ، وَلَا يُلَوِّثُ المَاءَ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي تَضُرُّ بِالصِّحَّةِ العَامَّةِ، فَلَا يُلْقِي القَاذُورَاتِ فِي المَاءِ، لَا يُلْقِي مُخَلَّفَاتِ البُيُوتِ والمَصَانِعِ وَغَيْرِهَا في المَاءِ، بَلْ يُبْقِي المَاءَ نَقِيًّا صَالِحًا يَنْتَفِعُ بِهِ العبَادُ، وَتَزْدَهِرُ بِهِ البِلَادُ، يَقُولُ نَبِيُّنَا (صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ): «خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ».
اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَيْنَا نِعَمَكَ وَارْزُقْنَا مِنْ عَظِيمِ فَضْلِكَ إِنَّكَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.