حصار وجرائم بالجملة وتطهير عرقي.. ماذا يحدث في الجنينة بالسودان؟

في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور في السودان، تظهر كأنها مدينتان داخل مدينة واحدة تتواجد هناك مقابر جماعية ومركبات مدرعة مهجورة، بجانب أطفال بلا مأوى.

ومع ذلك، يمكن رؤية أيضًا مطاعم جديدة افتتحت حديثًا، وأسواق مزدحمة، وسيارات تويوتا حديثة الصنع، والتي يطلق عليها اسم "كينجانجيا"، وتعني "المسروقة" باللهجة السودانية، بسبب عدم وجود لوحات تسجيل لها.

وفمنذ بداية النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل الماضي، تعرضت المدينة لمأساة متكررة، وبقيت الجثث المتحللة في الشوارع لمدة تصل إلى 10 أيام في كل حادث، حيث استخدمتها الحيوانات كطعام، وتظل بقايا الجثث حاضرة حتى الآن، وتتعرض لها الناس أثناء قيامهم بحياتهم اليومية.

والمناطق في وسط المدينة، حيث كان النازحون يلجأون إليها بسبب النزاع في دارفور، أصبحت شبه مهجورة، مع المباني المتضررة من الحروب والاشتباكات.

واستمرت جنينة في تكبد القتال من منتصف أبريل إلى أوائل نوفمبر، مما أدى إلى وفاة أكثر من 10,000 شخص، معظمهم من سكان المساليت، وفر الآلاف الآخرون عبر الحدود إلى تشاد.

وفرض الحصار على المدينة في مايو، وتم تعذيب وقتل حاكم ولاية المساليت في يونيو، مما أدى إلى نزوح آلاف الأشخاص إلى تشاد، وفي يونيو أيضًا، أعلنت نقابة المحامين سقوط الجنينة، وانتهت الاشتباكات بفرار آخر الجنود المتبقين من حامية الجيش.

وفي الأشهر اللاحقة، بدأت تظهر تفاصيل الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع وحلفاؤها في المدينة، بما في ذلك اكتشاف مقبرة جماعية للمدنيين المساليت في يوليو.

واتجهت بعض المساليت نحو ما اعتبروه الأمان النسبي عند حماية الجيش بالقرب من أرداماتا بدلاً من تشاد، ووصفوا تعرضهم لإطلاق النار أثناء تواجدهم على الطريق المؤدي إلى أرداماتا في 13 يونيو.

وفي سياق العنف، تم قتل مدنيين عرب، وعدد كبير منهم قضوا بسبب قصف الدبابات التي تركت في الأحياء العربية.

ووفقًا لعامل في الهلال الأحمر السوداني - الذي ليس من أصول عربية - فإن عدد الضحايا غير معروف بسبب طريقة جمع الجثث في المجتمعات العربية.

وفي مجزرة أرداماتا في 5 نوفمبر، قتل مئات المساليت بعد انسحاب الجيش من الجنينة، وتشير شهادات شهود إلى أن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها قامت بتفتيش المنازل وقتل المساليت.

ووفقًا لجمال بدوي، أحد زعماء المساليت في أرداماتا، فقد قتل 236 شخصًا في منطقته فقط، ووفقًا لشهود آخرين، كانت الجثث مكدسة فيما بينها في المناطق المتضررة.

كما أن الإدارة الحالية في ولاية غرب دارفور ترتبط بقرب بقوات الدعم السريع، ويحاول المحافظ التيجاني كرشوم الآن استعادة ثقة السكان، حيث دعا العائدين من تشاد إلى العودة وقام بتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.

وعلى الرغم من الأحداث الرهيبة، يبدو أن الحياة في المدينة بدأت تعود إلى طبيعتها، حيث استؤنفت الحفلات وبدأت أعمال البناء في الأحياء العربية.

ومع ذلك، تجسّد وجود الأطفال المشردين تذكيرًا بالماضي القريب، كما أفاد موظف سابق في وحدة حماية الطفل التابعة لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور

ويشير إلى أنّ معظم هؤلاء الأطفال إما يتيمون فقدوا آباءهم خلال العام الماضي، أو أطفال عائلات هربت عبر تشاد وعادوا من دون آبائهم بسبب الأوضاع "المروعة".

وفيما يتعلق بالأوضاع في مخيمات اللاجئين في تشاد، أكد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي أن طرفي الحرب الأهلية في السودان ارتكبا انتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب، من بينها الهجمات العشوائية على مواقع مدنية مثل المستشفيات والأسواق ومخيمات النازحين.

كما تم اعتماد قرار رسمي من قبل الولايات المتحدة يفيد بأن الأطراف المتحاربة ارتكبت جرائم حرب، وأشارت إلى مشاركة قوات الدعم السريع والقوات المتحالفة معها في أعمال التطهير العرقي في غرب دارفور.

وأعلن كل طرف عن نيته التحقيق في التقارير المتعلقة بعمليات القتل والانتهاكات، والمضي في محاكمة أي مقاتل يُثبت تورطه.

وحالياً، تواجه الجنوب تهديدًا كبيرًا يأتي من الجو، حيث يستهدف الجيش المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع بحملات قصف، مما يؤدي إلى نزوح جماعي للسكان المدنيين، بينما يكافح الجيش لوقف تقدم قوات الدعم السريع.

وأوضح برنامج الأغذية العالمي، أن المساعدات الإنسانية تجد صعوبة في الوصول إلى المناطق المتأثرة، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني في السودان.

وتابع: "الوضع الراهن في السودان يعد كارثيًا، حيث يعاني ملايين الأشخاص من النزاع ويحاولون تأمين الغذاء لأسرهم و نتلقى تقارير عن وفيات جوعًا، ومع ذلك، تظل التحديات الكبيرة في الوصول تجعل من الصعب بشكل كبير الوصول إلى المناطق التي في أمس الحاجة للمساعدة العاجلة".