حكم أخذ القرض الشخصي بضمان الوديعة


تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالاً من أحد متابعيها، أجاب عليه فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، يقول طارحه: ما حكم أخذ القرض الشخصي بضمان الوديعة بدلا من كسرها؟
وأجاب "علام"، في فتوى سابقة له على الموقع الرسمي لدار الإفتاء، قائلاً: رهن الودائع البنكية جائزٌ شرعًا، ولا حرج شرعًا في حصول أصحاب الودائع على تمويل من البنك بضمان ودائعهم بدلًا من كسرها، ولا في تسديد الأقساط المستحقة للبنك (المرتهن) من أرباح الوديعة (المرهونة).
أخْذُ المال من البنك بضمان الوديعة: هو طريقٌ من طُرقِ التمويل، وهو عبارة عن منح أصحاب الودائع مبلغًا من المال مرتبطًا بقيمة الوديعة، بمُعَدَّلِ فائدة منخفض أو متناقص -يصل أحيانًا إلى 2%- تُضافُ إلى عائد الوديعة، بمعنى أنَّ الفائدة على الوديعة إذا كانت تساوي 10%، فإن فائدة المبلغ تكون 12%، وذلك من أجل تسهيل عملية ادخار الأموال على المدى القصير دون الحاجة إلى كسرِ الودائع من المودعين، بحسب ما أفاده الخبراء والمختصون.
وبذلك فهذه المعاملة هي نوع من أنواع الاستثمار للجهتين: لجهة البنك، وجهة الآخذ، وهو صاحب الوديعة؛ لأن إرادتهما في العقد الناشئ بينهما غير منصرفة إلى كون الإيداع والأخذ سَلَفًا، وإنما انصرفت إلى إنشاء عقد يُتغيَّا منه التمويل بدلالة الألفاظ والأوراق التي تجري بينهما، ومن ثَمَّ وجب تكييف هذه المعاملة وفق مقصود المتعاقديْن، وقد استقرت الفتوى في تكييف معاملات البنوك على أنها من باب عقود التمويل المستحدثة لا القروض التي تجر النفع المُحرَّم.
ولا علاقة لها بالرِّبا، خاصة وأن العلاقة بين الشخص الطبيعي وبين مثله تختلف في أحكامها بين الفرد وبين الدولة التي يمثلها البنك، بالإضافة إلى أنها قائمة في حقيقتها على التعاون والمشاركة بين رأس المال والعمل على نمائه، وهي معاملة محقِّقة لمصالح أطرافها مع سدِّ الحاجات العامة والنمو الاقتصادي والاستقرار المالي للدولة.
وهذا يتوافق مع ما عليه التحقيق والعمل من جواز استحداث عقود جديدة إذا خلت من الغرر والضرر، وهي التي عبَّر عنها حجة الإسلام الغزالي بـ"مفسدات المعاملة"، و"مفسدات العقود"، و"أسباب الفساد"، و"مثارات الفساد"، كما في كتاب "آداب الكسب والمعاش" المضمن في كتابه "إحياء علوم الدِّين" (2/ 64-69، ط. دار المعرفة)، وعبَّر عنها الإمام ابن رشد الحفيد بـ"أصول الفساد" وحصرها في أربعة: تحريم عين المبيع، والرِّبَا، والغرر، والشروط التي تؤول إلى أحد هذين أو لمجموعهما، كما في "بداية المجتهد" (3/ 145، ط. دار الحديث).
والمتأمل في منظومة العقود المسمَّاة في الفقه الموروث وما تم بحيالها من شروطٍ وضوابطَ: يجد أنها جاءت لضبط مبدأ الرضا في العقود، بحيث لا تدور حركة المال ولا تنتقل الأملاك من يدٍ إلى يدٍ إلا برضًا تامٍّ بين أطرافها؛ وذلك لأنَّ العقودَ في الحقيقة بنيت على رضا المتعاقدين، كما نبَّه عليه قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
فالأصل الذي تُبنَى عليه العقود المالية من المعاملات الجارية بين العباد -اتباع التراضي المدلول عليه في الآية الكريمة، غير أن حقيقة الرضا لمَّا كانت أمرًا خفيًّا وضميرًا قلبيًّا اقتضت الحكمة رد الخلق إلى مرد كلي وضابطٍ جلي يُستدل به عليه، وهو الإيجاب والقبول الدالان على رضا العاقدين، كما أفاده الإمام شهاب الدِّين الزنجاني في "تخريج الفروع على الأصول" (ص: 143، ط. مؤسسة الرسالة)، والإمام صفي الدِّين الهندي في "نهاية الوصول في دراية الأصول" (2/ 314-315، ط. المكتبة التجارية).
وهذا ما جرى عليه قانون البنوك المصري، وحكم الحاكم يرفع الخلاف كما تقرر، فليست الفوائد القانونية حرامًا؛ لأنها ليست فوائد قروض، وإنما هي عبارة عن أرباح ناتجة عن عقود تحقق مصالح أطرافها.
حق البنك في منع صاحب الوديعة من التصرف فيها حتى سداد القرض
كما أن منع البنك صاحب الوديعة البنكية من التصرف في مبلغها طيلة المدة المتفق عليها لسداد مبلغ "المعاملة" واعتبارها وثيقةَ ضمانٍ لديه لاستيفاء الحقِّ عند عدم الوفاء به أمرٌ جائزٌ شرعًا، لجريان ذلك وفق الشروط المقررة فقهًا للرهن، والتي تفيد مشروعية حبس المرتهن الشيء المرهون وإدارته بنفسه، وذلك لاستغلاله وإدارته، على أن يكون نماؤه للراهن، وهذا الشرط حاصلٌ في صورتنا؛ فالفوائد القانونية المرَتَّبة على الوديعة (المرهونة) مستحقة لصاحبها، فلا ينتفع البنك (المرتهن) بنماء الرهن (الوديعة).