بسبب الحروب والاضطرابات.. الشرق الأوسط ينزلق إلى أزمة إنسانية «مروعة»
عبده حسن مصر 2030بالنسبة لإقليمٍ ليس غريبًا على الاضطرابات الجيوسياسية، تشير وكالات الأمم المتحدة إلى أن الشرق الأوسط يشهد أزمة إنسانية جماعية "مروعة".
وقبل حتى هجوم "طوفان الأقصى"، على إسرائيل في أكتوبر، كانت لبنان وسوريا المجاورتين تواجهان تحديات عميقة، في حين كانت اليمن تعاني من لقب أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
ووكالة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) اعترفت يوم الجمعة بأن الوضع في الشرق الأوسط قد يكون "لم يكن أسوأ من أي وقت مضى" منذ بداية جمع السجلات في عام 1991.
ويعتمد عشرات الملايين من الأشخاص في المنطقة على المساعدات الإنسانية، مع توقعات بتدهور الأوضاع وفقًا لمعظم المقاييس.
كما تتميز غزة، التي دمرها الهجوم الإسرائيلي المستمر، بتحذيرات من الخبراء حيال تأثيرها المحفز على المنطقة، مما يزيد من تفاقم التوترات التاريخية، حيث تندمج النزاعات من سواحل البحر الأبيض المتوسط إلى طرف شبه الجزيرة العربية على بُعد 2300 كيلومتر (1429 ميلًا).
وجيمس دينسلو، رئيس قسم الصراع والسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة، يقول: "لدينا تاريخ حديث جدًا من الأزمات واسعة النطاق في جميع أنحاء المنطقة، والآن نشهد أكثر صراعاتها حدة [في غزة] منذ عام 2016"، ويتسبب ذلك في تهديد بخلق حريق هائل بين هذه الصراعات الأخرى.
أما بالنسبة لوكالتنا كوكالة إنسانية للأطفال، الوضع يبدو مروعًا للغاية، فيتزايد الضغط بشكل غير مسبوق نتيجة لأربع أزمات متداخلة - في غزة، ولبنان، وسوريا، واليمن - مما يجعل وكالات الإغاثة تواجه تحديات هائلة.
وجيف فيلتمان، خبير دبلوماسي بتجربة 30 عامًا في الشرق الأوسط، يلاحظ أن مجموعة الأزمات الإنسانية في المنطقة، بما في ذلك الكارثة الإنسانية في غزة، وضعت ضغوطًا لا سابق لها على القدرة المالية للجهات المانحة وقدرة الجهات الإنسانية على تلبية الاحتياجات.
والطلب يتزايد والعقبات تتزايد، حيث يصعب الوصول إلى المحتاجين أكثر مما شهدنا على الإطلاق.
ومن بين العقبات، تدير منظمة إنقاذ الطفولة ثماني حالات طوارئ من الفئة الأولى، وهو رقم قياسي، وتتركز معظمها في منطقة الشرق الأوسط.
فالأمور سيئة، ولكن الإجماع يشير إلى أننا قد نواجه أوقاتٍ أكثر قتامة، ويقول جينس لايرك من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في جنيف: "من المرجح أن يزداد الأمر سوءًا قبل أن يتحسن".
وبعد مناقشة التحديات مع كبار مسؤولي المساعدات في الأمم المتحدة، يضيف لاركي: "رغم 70 عامًا من الجهود الدولية لحل المشكلات بالوسائل الدبلوماسية، يبدو أن القادة العالميين يتجهون نحو استخدام البندقية كوسيلة أولى لحل الخلافات.
ومع اقتراب الذكرى الثالثة عشرة للصراع السوري، تنزلق البلاد نحو كارثة إنسانية تتفاقم باستمرار.
وتشير تقديرات حديثة إلى أن 85% من الأسر لا يمكنها تلبية احتياجاتها الأساسية، و70% بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.
وتصف الأمم المتحدة الوضع بأن البلاد في قلب "أكبر أزمة لاجئين في العالم"، حيث نصف السكان مشردون داخلياً أو خارجياً.
وأكدت المفوضية الأوروبية أن الاحتياجات الإنسانية في سوريا وصلت إلى "أعلى مستوياتها على الإطلاق". ورغم ذلك، يبدو أن الاهتمام العالمي قد تراجع، مما يجعل الحاجة للمساعدة الإنسانية أكثر إلحاحاً.
وفي بداية أكتوبر، كانت حياة قليل من الفلسطينيين في غزة لا يمكن أن تتوقع تغييرًا جذريًا بهذا الحجم.
كما تظهر صور الأقمار الصناعية حجم الدمار الذي أصاب جزءًا كبيرًا من الساحل بعد مرور ما يقرب من 100 يوم من بداية الهجوم الإسرائيلي.
ويُعتقد أن نصف المنازل على الأقل دُمرت أو تضررت، ونزح أكثر من 85% من سكانها.
ووصف مسؤول في الأمم المتحدة قطاع غزة بأنه "غير صالح للسكن" ظاهرياً، مشيرًا إلى الحالة الصعبة التي وصل إليها.
بينما يشعر مسؤولو وكالات الإغاثة بالاستياء من قلة إمكانية دخول المساعدات، تظهر التقارير وجود "جيوب مجاعة".
والنقص الحاد في الغذاء أصبح أمرًا لا يمكن إنكاره، حيث يشير الصليب الأحمر البريطاني إلى أن 80% من سكان غزة يواجهون انعدام الأمن الغذائي الكارثي.
وفي فصل الشتاء، يعيش مئات الآلاف في مأوى مؤقت أو في الهواء الطلق أو داخل السيارات.
كما يتواجد أكثر من 1.4 مليون نسمة من سكان ما قبل الحرب في مأوى "مكتظ وغير صحي"، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
وبغض النظر عن الفظائع الجديدة التي قد تحدث، يُتوقع أن يعاني سكان غزة بأكملها، بما في ذلك جيل الأطفال، من صدمات كبيرة.
فبعد أربع سنوات من الانهيار الاقتصادي التاريخي، يُعتبر لبنان إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يعتمد أكثر من نصف سكانه على المساعدات الإنسانية.
وتتزايد قلق وكالات الإغاثة حيال عدم توفر مساعدات كافية، وتحذر الأمم المتحدة من أن حجم المساعدة المقدمة للبنان "أقل بكثير من الحد الأدنى لمستوى البقاء".
وتتوقع تفاقم هذا الوضع بسبب التداعيات الناجمة عن هجوم حماس في غزة وتأثيره على المساعدات في المنطقة.
وتتزايد الصعوبات اليومية بفعل التضخم وتراجع قيمة العملة، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ويحتاج أكثر من 1.2 مليون شخص إلى دعم للحصول على المياه النقية وخدمات الصرف الصحي.
كما تفاقم الوضع بسبب الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين، ويستضيف لبنان الآن "أكبر عدد من النازحين لكل فرد ولكل كيلومتر مربع في العالم"، وهو أمر يزيد الضغط على البنية الاقتصادية والاجتماعية الهشة.
وقبل الموجة الأخيرة من الضربات الأمريكية والبريطانية، كانت اليمن، الدولة الخليجية الفقيرة التي تعاني من سنوات من الحرب الأهلية، فاشلة بمعظم المقاييس.
ونحو 21 مليون يمني، أو ثلثي السكان، يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، مع أكثر من 14 مليونًا في "حاجة ماسة"، ونزوح ما لا يقل عن 3 ملايين من منازلهم منذ عام 2015.
وأثارت الضربات الأخيرة على أهداف الحوثيين ذعرًا جديدًا، مما أدى إلى توقف بعض عمليات الإغاثة في بلد يستند إلى تلقي المساعدات من أكثر من 200 منظمة إنسانية.
وقبل الأزمة في غزة، كانت خطة الاستجابة الإنسانية الأخيرة للأمم المتحدة تعاني من نقص في التمويل، مما يعني أن ملايين اليمنيين الذين يواجهون مستقبلًا غامضًا يخشون الآن من تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والحوثيين.