حصاد 2023.. كيف أشعل تنظيم الإخوان شرارة الحرب في السودان؟
عبده حسن مصر 2030بدا شبح تنظيم "إخوان السودان" وكأنه يظهر في كواليس الأزمة التي تُحاصر السودان حاليًا، مُلمحًا إلى دورهم في إطلاق أول رصاصة نارية في قلب البلاد، البلد الذي كان يسعى جاهدًا نحو مسار الانتقال الديمقراطي.
بعد سقوط نظامهم الاستبدادي في 11 أبريل 2019، بدأت جماعة "إخوان السودان" في المناورة والتلاعب في الأحداث، في محاولة لتعطيل الانتقال الديمقراطي وإفشال الاتفاق السياسي بين الجيش والمدنيين.
وبعد أن بدأوا برفع شعارات الثورة الشعبية السلمية، استخدموا الوسائل القبلية والمحلية للتستر على أنشطتهم، وبدأوا في التعاون مع الجيش لتقويض الحكومة المدنية الديمقراطية التي كانت بقيادة عبدالله حمدوك، وانقلبوا عليها في 25 أكتوبر2021.
وخلال تلك الفترة، أعلنت جماعة "إخوان السودان" تشكيل تشكيلات مسلحة بارزة، من بينها "قوات كيان الوطن"، التي يقودها ضابط سابق في الجيش السوداني وهو المتحدث السابق باسمه العميد خالد سعد.
وهذه التشكيلات ضمت ضباطًا متقاعدين من "إخوان السودان"، بالإضافة إلى تشكيل مليشيات مسلحة أخرى تحت عنوان "درع الشمال" مع وجود مكونات قبلية من منطقة شمال البلاد، وقوات "درع الوطن" التي تضم مكونات اجتماعية من منطقة "سهول البطانة" وسط السودان.
كما شكلت "إخوان السودان" تحالفات قبلية تحت اسم "التحالف الأهلي لاسترداد الحقوق (تهارقا)" في ولاية نهر النيل (شمال)، وتضم جناحًا عسكريًا يُعرف باسم (درع التحالف).
وكان هناك إعلان أيضًا من أحد رموز "إخوان السودان" من قبيلة الجموعية "المك عجيب" بتشكيل جناح عسكري للقبيلة، تصدى للثورة السلمية وأُغلقت الطرق والجسور أثناء تنظيم المظاهرات السلمية.
وفي 25 أبريل الماضي، بعد بداية الحرب بين الجيش و"الدعم السريع"، غادر قادة النظام السابق سجن كوبر بالخرطوم، مثل علي عثمان محمد طه وأحمد هارون ونافع علي نافع وعوض الجاز، بعد قرار السلطات بالإفراج عن السجناء نتيجة لموجة احتجاجات بسبب نقص الغاز وانقطاع المياه.
وفي تسجيل صوتي، أكد أحمد هارون، الذي كان معتقلاً منذ 2019 ومطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية، أن مغادرتهم للسجن كانت لحماية أنفسهم بسبب تدهور الأوضاع في السجن.
كما يُعتقد أن السجن يضم عددًا من قادة النظام السابق، مثل عمر البشير الرئيس المعزول ونائبه علي عثمان محمد طه. ويواجه أحمد هارون اتهامات بجرائم حرب في إقليم دارفور.
ويواجه نافع علي نافع وعوض الجاز وعلي عثمان اتهامات بانقلاب في يونيو بمشاركة قادة عسكريين وقيادات من "الحركة الإسلامية" التي أطاحت بالحكومة الديمقراطية في 1989.
وقوى الحرية والتغيير اعتبرت أن "خروج مجرمي النظام السابق من سجن كوبر يؤكد دور النظام السابق في الحرب الدائرة في البلاد منذ 15 أبريل.
أما في يوليو الماضي، أثار ظهور بعض قيادات نظام الرئيس السابق عمر البشير في الولايات ودعوتهم للتحريض على الحرب، غضبًا واستياءًا في السودان، مما أثار خوفًا من تصاعد الفتنة والصراع المميت.
وفي تقارير إعلامية ذكرت أن قادة حزب المؤتمر الوطني المحلول، بقيادة أحمد هارون وعوض الجاز، قاموا بلقاءات مع كوادر من الحزب والحركة في ولاية كسلا شرقي السودان، وينوون القيام بجولة في مدن الشرق والوسط.
وفي بيان صادر عن المتحدث باسم هيئة الاتهام في بلاغ انقلاب يونيو 1989، "مُعز حضرة" في ذلك الوقت، أشار إلى "ظهور المتهمين في بلاغ انقلاب الثلاثين من يونيوفي بعض الولايات التي يسيطر عليها الجيش ودعوتهم للحرب العبثية تحت سمع وبصر الجيش والشرطة، أمرًا مثيرًا للدهشة والاستغراب".
كما أن البيان اتهم الاستخبارات العسكرية باعتقال النشطاء السياسيين المدنيين الداعمين لوقف الحرب في الولايات التي يسيطر عليها الجيش، فيما ترفض اعتقال قادة النظام السابق الفارين من العدالة.
في صباح 15 أبريل الماضي، حاول الأمين العام لـ "الحركة الإسلامية"، علي كرتي، بقوة تحريك "كتائب الظل" لإطلاق الرصاصة الأولى على قوات "الدعم السريع" داخل المدينة الرياضية جنوب الخرطوم، مما أدى إلى اندلاع حرب تسببت في دمار كبير.
وبعد اعتقال "الدعم السريع" لكل من محمد علي الجزولي رئيس التيار الإسلامي العريض وأنس عمر رئيس حزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم في مايو الماضي، تم بث مقطع فيديو يُظهر تنسيقا سياسيًا وعسكريًا لإفشال الاتفاق الإطاري والتخطيط للحرب الحالية.
وقادة "إخوان السودان" أكدوا وجود مجموعات متحالفة مع الجيش هاجمت "الدعم السريع" في المدينة الرياضية جنوب الخرطوم صباح 15 أبريل وأن التخطيط والهجوم تم بتدبير من "الحركة الإسلامية".
والجزولي معروف بانتمائه لداعش ودعمه لتنظيمه في عملياته العسكرية ضد "الدعم السريع". بينما كان أنس عمر ضابطًا في جهاز الأمن والمخابرات واليًا (حاكمًا) لولاية شرق دارفور وكان له علاقة وثيقة مع "الدعم السريع" أثناء محاربتهم للحركات المسلحة في دارفور.
وفي يونيو الماضي، أعلنت "الحركة الإسلامية" فتح باب "الجهاد" لما أسمته "معركة الكرامة".
كما أن صفحة حزب "المؤتمر الوطني" السابق نشرت على فيسبوك تصريحًا يقول: "هذه حربنا منذ اللحظة الأولى فلا مكان بيننا للمتخاذلين والجبناء، قم يا مجاهد وأوفي بعهدك مع الشهداء فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا".
تقارير إعلامية أشارت إلى مقتل مجموعة من قادة الصف الثاني في تنظيم "الإخوان"، مثل عمر قاسم سراج في 3 يونيو في منطقة الشجرة جنوب الخرطوم، وكان قائدًا في كتيبة "البراء بن مالك".
وأيضًا، تم تسجيل مقتل الدكتور أيمن عمر فرج في معركة "مصنع اليرموك" في 8 يونيو، حيث تم تداول مقطع فيديو يظهر مشاركته في المعارك وهو يرتدي الزي العسكري ويحمل سلاحًا رشاشًا.
كما تم مقتل محمد الفضل عبدالواحد عثمان، أحد الرؤساء الشباب لمنظومة الفكر والتأصيل في "الحركة الإسلامية"، وهو أحد القادة البارزين في كتيبة "البراء"، حيث قتل في 16 يونيو/حزيران بمعركة الشجر.
ومحمد الفضل هو ابن عبدالواحد عثمان إسماعيل، وهو شقيق مصطفى عثمان إسماعيل، القيادي الإخواني المعروف، الذي شغل منصب وزير الخارجية خلال فترة حكم "الإخوان"، وتقدم بالتعازي في وفاته علي كرتي رئيس "الحركة الإسلامية".
في 29 سبتمبر الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على وزير الخارجية السابق في السودان، علي كرتي، وعلى شركتين، بسبب دورهم في تقويض السلام والأمن والاستقرار في البلاد.
والعقوبات الأمريكية استهدفت شركتي GSK Advance Company Ltd (GSK) التي تعمل في تكنولوجيا المعلومات والأمان في السودان، وتديرها أعضاء مؤثرون في قوات الأمن، بالإضافة إلى شركة Aviatrade LLC، بسبب أنشطتهم التي تشكل تهديداً للاستقرار في البلاد.
وكرتي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير لفترة تمتد من 16 يونيو 2010 إلى 7 يونيو 2015.
وبعد حكم استمر لثلاثين عاماً، أُسقِط البشير وأُودع في سجن "كوبر" الواقع شمال الخرطوم بعد احتجاجات شعبية عارمة انطلقت في أبريل 2019 نتيجة لتردي الوضع الاقتصادي.
في 5 ديسمبر، أعلنت الولايات المتحدة عن فرض عقوبات على ثلاثة من أبرز المسؤولين السابقين في نظام البشير بتهمة تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان.
تُرى أن تنظيم الإخوان الذي حكم السودان بقيادة البشير قد أشعل نيران الصراع في محاولة للعودة للسلطة، لكن الحالة الراهنة والأحداث اليومية تشير إلى عدم وجود نهاية قريبة للحرب، وهناك خطر حقيقي من تحولها إلى حرب أهلية، وفقًا لتحليلات مراقبين.
رغم أن فترة حكم الإخوان بقيادة البشير استمرت لثلاثين عاماً، فإن تأثيرهم استمر بشكل غير مباشر خلال الأعوام الأربعة الأخيرة عبر اللجنة الأمنية التي أعاقت الحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك وانتهت بسقوطها، وما زالت أياديهم تتحكم من خلال الأوساط المختلفة لإثارة صراع متصاعد ومفتوح.