بعد زيارة السيسي لضريحه.. محطات فارقة في حياة الزعيم الهندي «مهاتما غاندي»
عبده حسن مصر 2030أثناء مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي لقمة العشرين في الهند، قام هو وعدد من رؤساء بعض الدول بزيارة ضريح غاندي.
وزار الرئيس عبد الفتاح السيسي وقادة مجموعة العشرين ضريح المهاتما غاندى، ووضعوا أكاليل الزهور على الضريح.
وولد الزعيم الهندي موهانداس كارامشاند غاندي والمعروف باسم المهاتما غاندي في الثاني من أكتوبر عام 1869 في بورباندار، كاثياوار في الهند والتي كانت حينها جزءًا من الإمبراطورية البريطانية.
خدم والده مارامشاند غاندي رئيسًا للوزراء في بورابندار ودول أخرى غربي الهند، أما والدته بوتليباي فكانت امرأة شديدة التدين منتظمة الصيام، فشب غاندي عابدًا للإله الهندوسي فيشنو وكان من أتباع الجاينية، وهي ديانة هندية قديمة تتبنى مبادئ اللاعنف والصيام والتأمل واعتماد أنظمة غذائية نباتية.
كان غاندي شابًا خجولًا وطالبًا غير بارز في صفه الدراسي، وكان خجولًا لدرجة أنه كان ينام والأضواء مضاءة حتى عندما كان مراهقًا.
وفي سن الثالثة عشر تزوج غاندي زواجًا تقليديًا من ابنة تاجر تدعى كاستوربا ماكانجي، لكنه تمرد مع مرور السنين فبدأ بالتدخين وتناول اللحوم وسرقة النقود من خدم المنازل، وفي عام 1885 عانى غاندي من وفاة والده ثم لحاق طفله الصغیر به بعد فترةٍ وجيزة.
وبالرغم من أن غاندي كان مهتمًا بأن یكون طبیبًا، فإن والده كان یأمل بأن یصبح ولده وزیرًا في الحكومة وهو ما أدى إلى أن توجيه أسرته له لمزاولة مهنة المحاماة، وبعد فترةٍ قصيرة من ولادة أول أبنائه الناجين أبحر غاندي إلى لندن في إنجلترا عام 1888 لدراسة القانون وكان وقتها في الثامنة عشرة من عمره.
وأثناء فترة إقامته في لندن والتي دامت ثلاث سنوات، انضم إلى اللجنة التنفیذیة للجمعیة النباتیة في لندن، وبدأ بقراءة مجموعة من النصوص المقدسة لیتعلم المزید عن الأدیان في العالم.
وعند عودته إلى الهند في عام 1891 علم غاندي أن والدته كانت قد توفیت قبل أسابیع من قدومه، فكافح بعد ذلك لكي یقف على قدمیه محاميًا.
وفي أول قضیةٍ له في قاعة المحكمة أخفق غاندي الذي كان متوترًا عند لحظة استجواب الشاهد، فهرب على فوره من قاعة المحكمة بعد حصوله على أتعابه القانونیة، ثم كافح للحصول عملٍ في الهند، وعثر بعد ذلك على عقدٍ لسنة واحد مقابل أدائه خدماتٍ قانونیة في جنوب أفریقیا، فأبحر إلى دوربان في جنوب أفریقیا، مقاطعة ناتال، بعد ولادة ابن آخر له في أبريل عام 1893.
شعر غاندي بالجزع فور وصوله إلى جنوب أفریقیا بسبب التمییز والعزل العنصري الذي یواجهه المهاجرون الهنود على ید السلطات البریطانیة وسلطات البویر، وفي أول ظهورٍ لغاندي في قاعة المحكمة في دیربان طُلب منه خلع عمامته إلا أنه رفض وغادر المحكمة، وقد سخرت منه صحيفة ذا ناتال أدفيرتايزر في إحدى طبعاتها ونعتته بأنه الزائر غیر المرحب به.
وفي السابع من يونيو عام 1893 أي بعد أیام جاءت اللحظة الحاسمة في حیاة غاندي خلال رحلة قطار إلى بریتوریا عندما اعترض رجل أبیض على وجوده في مقصورة من الدرجة الأولى على الرغم من حمله لتذكرة القطار، وعندما رفض غاندي الانتقال إلى آخر القطار سُحب بالقوة وألقي من على القطار في محطة في بیتر ماریتزبرج، في تلك اللحظة أيقظ العصيان المدني في نفسه عزيمة على تكریس نفسه لمحاربة مرض التحیز اللوني المستعصي.
ومنذ تلك اللیلة قطع عهدًا على نفسه بأن یبذل قصارى جهده لاستئصال هذا المرض واحتمال الصعاب في سبيل ذلك، ومنذ تلك اللیلة كبُر الرجل المتواضع ليصبح قوةً عملاقة تمثل الحقوق المدنية.
وفي عام 1894، شكل غاندي مجلس ناتال التشریعي الهندي لمكافحة التمییز، وفي نهایة عقده الذي استمر لعام، استعد غاندي للعودة إلى الهند حتى أُخبِر في حفل وداعه عن مشروع قانون صدر قبل تشكيل جمعیة ناتال التشریعیة من شأنه حرمان الهنود من حق التصویت، حینها أقنعه زملاؤه المهاجرين بالبقاء وقیادة الكفاح ضد تشریع هذا القانون.
وعلى الرغم من أن غاندي لم یتمكن من منع إقرار القانون إلا أنه لفت الانتباه الدولي إلى الظلم الحاصل.
عاد غاندي بعد رحلةٍ قصیرة إلى الهند في أواخر عام 1896 وأوائل عام1897 إلى جنوب أفریقیا مع زوجته وطفلیه، وقد ولدت كاستوربا له طفلین آخرین في جنوب أفریقیا أحدهما في عام 1897 والآخر في عام 1900، وفي ذلك الوقت كان لغاندي عمل قانوني مزدهر.
وعند اندلاع حرب البویر أنشأ فيلقًا من سيارات الإسعاف جميع عمالها من الهنود وفيها 1100 متطوع لدعم الجانب البريطاني قائلًا إنه إذا كان الهنود يتوقعون أن یتمتعوا بحقوق مواطنة كاملة في الإمبراطوریة البریطانیة فإنهم بحاجة أیضًا إلى القيام بمسؤولياتهم.
استمر غاندي بدراسة الدیانات في العالم في السنوات التي تواجد خلالها في جنوب أفریقیا وكتب حینها: أصبحت الروح الدینیة في داخلي قوة حیة، كما استغرق بقراءة النصوص الروحیة الهندوسیة المقدسة وكان يعتمد البساطة في حياته والتقشف واعتزال السلع المادیة.
في عام 1906نظم غاندي أول حملة جماعیة للعصیان المدني أطلق علیها اسم ساتیاغراها أي "الحقیقة والحزم"، وذلك رداً على القیود الجدیدة التي فرضتها حكومة ترانسفال على حقوق الهنود بما في ذلك رفض الاعتراف بالزواج الهندوسي. وبعد سنوات من الاحتجاجات سجنت الحكومة مئات الهنود بمن فیهم غاندي في عام 1913، وتحت العدید من الضغوطات قبلت حكومة جنوب أفریقیا حلًا وسطًا تفاوض عليه غاندي والجنرال جان كریستیان سموتس، تضمن الاعتراف بالزواج الهندوسي وإلغاء ضریبة الاقتراع للهنود.
وعندما أبحر غاندي من جنوب أفریقیا عائدًا إلى دیاره عام 1914 كتب سموتس: لقد غادر القدیس شواطئنا وآمل من كل قلبي أن یكون ذلك إلى الأبد.
بعد أن أمضى غاندي عدة أشهر في لندن عند اندلاع الحرب العالمیة الأولى عاد إلى الهند في عام 1915 والتي كانت ما تزال تحت السیطرة البریطانیة وأسس معبد الأشرم في أحمد آباد وكان يفتح أبوابه لكل الطوائف، وعاش غاندي حیاة مكرسة للصلاة والصیام والتأمل مرتدیًا رداءً بسیطًا ووشاحًا وأصبح یعرف باسم "المهاتما" أي "الروح العظیمة".
على الرغم من هذا فقد حدث في عام 1919 ما يمثل نقطة تنبيه سیاسي لغاندي، وذلك عندما سمح قانون رولات الجدید الموافَق عليه من قبل الحكومة البریطانیة بسجن المشتبه فیهم بالتحریض من دون محاكمة، فكان رد غاندي على ذلك دعوته إلى حملة ساتیاغراها للإضرابات السلمیة والاحتجاجات، ولكن بدلاً من هذا اندلع العنف الذي بلغ ذروته في الثالث عشر من أبريل عام 1919 فكانت نتیجته مذبحة أمریتسار، حيث أطلقت القوات البریطانیة بقیادة العمید البریطاني ریجینالد دییر النار باستخدام المدافع الرشاشة على حشدٍ من المتظاهرین العزل وقتلت ما یقارب 400 شخص، حینها لم یعد غاندي قادرًا على التعهد بالولاء للحكومة البریطانیة وأعاد المیدالیات التي حصل علیها من خدمته العسكریة في جنوب أفریقیا وعارض مشروع التجنید الإلزامي للهنود للخدمة في الحرب العالمیة الأولى.
أصبح غاندي شخصیةً بارزة في حركة الحكم الذاتي الهندي، ودعا المسؤولین الحكومیین إلى التوقف عن العمل لصالح التاج البريطاني والطلاب إلى التوقف عن الذهاب إلى المدارس الحكومیة والجنود إلى مغادرة مواقعهم والمواطنين إلى إیقاف دفع الضرائب وشراء السلع البریطانیة في حملة مقاطعةٍ شاملة.
وبدلًا من شرائه الملابس المصنوعة في بریطانیا بدأ غاندي باستخدام عجلة الغزل المحمولة لإنتاج ملابسه الخاصة وسرعان ما أصبحت عجلة الغزل رمزًا للاستقلال الهندي والاعتماد على الذات، ثم تولى غاندي قیادة المجلس الوطني الهندي ودعا إلى سیاسة اللاعنف وعدم التهاون من أجل تحقیق الحكم الداخلي.
يذكر أنه تم ترشيحه لجائزة نوبل للسلام 5 مرات، كما أطلقت بريطانيا طابعًا رمزيًا تكريمًا له بعد مرور 21 سنة على وفاته، وفي يوم 30 يناير عام 1948 وبينما كان غاندي ذاهب بمساعدة حفيدتيه من مسكنه بيرلا هاوس في نيو دلهي إلى تجمع للصلاة، وعندها جاء الهندوسي المتعصب ناتهورام غودسي، والذي كان مغتاظًا من تعاطف غاندي مع المسلمين، وانحنى أمام المهاتما غاندي قبل أن يطلق عليه النار ثلاث مرات من مسدس شبه أوتوماتيكي من مسافةٍ قريبةٍ جدًا، ليقتل بهذا العمل العنفي.