سمر مجاهد تكتب.. تأنيث الأسرة ومدى تأثيرها على الطفل
سمر مجاهد مصر 2030نعي جميعًا أن الزواج سنة من سنن الله في كونه، وأن إنشاء أسرة ذات قوة متماسكة من أهداف ديننا الحنيف وحثت عليها جميع الشرائع السماوية، حيث قال رسول الله (ﷺ): «تناكحوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة».
الزواج هو السكن والسكينة للزوجين تجاه بعضهم البعض، كما تم وصفه في القرآن الكريم في قوله تعالي «هن لباسن لكم وأنتم لباس لهن»، فحين ننظر إلى وظيفة اللباس للإنسان نجد أن القرآن الكريم قد شرحها بأنه يواري السوءة، ويخفي كل ما هو قبيح، ويظهر الجميل، إذن فهو دلالة على «الستر والحماية والجمال والقرب.
اللباس يتزين به المرء ويدفأ به من تقلبات الجو، فهو قريب من الجسد حد الالتصاق، وطبيعة العلاقة الزوجية كذلك أن تكون ساترة تظهر كل ما هو جميل وتخفي كل ما هو قبيح فهي «دفء وقرب ووقاية وحماية»، لذلك سوف نناقش في السطور القليلة القادمة قضية من أهم القضايا الخطيرة التي أصبحت تمثل ظاهرة عامة في المجتمع ومن شأنها زلزلة كيان الأسر والبعد عن الأهداف المعنية لتكوين الأسرة وإقامة حياة زوجية سوية.
وهى افتقاد منظومة الأسرة لأحد مؤسسيها أي تغيب أحد أعمدة البيت، مما يجعلها أسرة عرجاء تقيم على قدم واحدة بافتقاد أحد قاداتها، فماذا إذن لو كان الشخص المفقود هو الزوج (الأب)، أمان البيت وأساس قوته وحمايته، حيث تجد المرأة نفسها بين ليلة وضحاها مسؤولة بصورة كاملة عن اكتمال هذا الهيكل الأسري وقيامها بدورها بجانب دور الأب.
إن تغيب الزوج عن أسرته يظهر بصور مختلفة كالسفر والطلاق والوفاة، ولكن هناك صور أخرى أخطر من سابقيها، بتنصل الزوج من مسؤولياته تجاه أسرته أو انشغاله بعمله وأصدقاءه، ويصبح في بيته مجرد تمثال ديكوري "ضيف شرف"، تاركا زوجته تتحمل ضغوط وأعباء ومسؤوليات الأسرة وحدها، فتكتسب الأسرة طابع التأنيث وتفتقد لقوامة الرجل.
بل وأصبحت المرأة في كثير من الأحيان هي المسؤولة ماديا ومعنويا عن تلك الأسرة، ففي البداية خرجت المرأة وانخرطت في الحياة العملية كمشاركة للرجل في المسؤولية بهدف تحسين الدخل المادي للأسرة، ولكن سريعا ما تحول دورها من مشاركة إلى مسؤولة بشكل كامل عن الأسرة ماديا ومعنويا، وذلك بتنازل أشباه الرجال عن مسؤولياتهم وتركها بالكلية إلى الزوجة.
أصبحنا الآن بحاجة إلى فتيات تتسم بالقوة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، حتى تصبح قادرة على مواجهة تلك الظاهرة، والقيام بكلا الدورين، إذا ما تعرضت لمثل تلك الظروف، ومن هنا نجد أن على الأم برغم ما تمر به من ضغوط نفسية أن تتماسك وتستعيد قوتها سريعا حتى تستطيع إعادة اتزان أسرتها وتصل بها وبأطفالها إلى بر الأمان التي تتمناه كل امرأة لأبنائها.
وأعتقد أنه على الأم والدائرة المحيطة والمجتمع دور كبير في تكيف الأطفال على الوضع، بأن تقوم الأم بإعادة تخطيط حياتها بما ينسجم مع الظرف الجديد، وأن تتمتع بالحزم واللين في آن واحد حتي تنشئ أطفالا أسوياء، وعلى أهل الزوج والزوجة أن يقوموا بمساعدة تلك الأم برعاية شؤون الأبناء بالتنسيق مع الوالدة، بشرط ألا يصبح الأطفال ضحية لما يقع من خلافات بين كلا الطرفين.
يجب أن تتلقى الأم في مثل هذه الحالة الدعم نفسيا ومعنويا، لكي تُنشأ جيلًا صالحًا لنفسه وللمجتمع، كما يجب التوعية الاجتماعية ونشر الثقافة بضرورة التعامل مع تلك الحالات بأن الأمر طبيعي، حيث يمكن أن تتعرض له أي أسرة في أي مكان وزمان لما يقع على المجتمع من مسؤولية تجاه هؤلاء الأطفال، فيجب أن يتم معاملتهم على أنهم أشخاص كاملين غير فاقدين لشيء ما حتى لا نوغل بداخلهم فكرة الفقد.
كما أنه من الضروري أن نخلق داخل هؤلاء الأطفال العزيمة والقوة على تخطي تلك الظروف ونساعد في تنشئتهم أسوياء نفسيا، أشخاص قادرين إكمال حياتهم بشكل طبيعي، مهتمين بدراستهم وتنمية عقولهم وتطوير مهاراتهم والاعتماد على ذواتهم.
فإذا تم التعامل معهم من قبل المحيطين والمجتمع على أن هناك شيء ينقصهم سوف يؤثر سلبا عليهم ويدمرهم نفسيا، ويجعلهم انطوائيين ضعفاء غير قادرين على مواجهة تحديات الحياة، ويشوه نظرتهم للمجتمع ككل.
من هنا يجب التعامل معهم بشكل طبيعي كأشخاص كاملين بذواتهم، فهم قادة المجتمع القادمين وأساس بناءه وقوته، فحفاظا على المجتمع يجب أولا الحفاظ على بنيانه حتى يصبحون أشخاصًا صالحين، واثقين بأنفسهم، قادرين على إخراج كل ما هو نافع وجميل بداخلهم، عالمين بنقاط قوتهم والعمل على تطويرها واستثمارها بما ينفعهم وينفع مجتمعهم.
وفي نهاية المطاف يجب أن يدرك كل من فقد أحد والديه بأنه إنسان طبيعي بين أفراد المجتمع، وأن هناك داخل المجتمع من هو على قدر من الثقافة والأخلاق والرقي، ومنهم ما دون تلك الصفات وينقصهم كل هذا، فمثلما يوجد الخير يوجد الشر، ومثلما يوجد الصالح يوجد الفاسد، فيجد أن يحيطون أنفسهم دائما بالأشخاص الإيجابين المشجعين، ويتخذوهم قدوة لتطورهم ونجاحهم ويتجنبون الأشخاص المحبطين أصحاب الطاقات السلبية الهادمين لأنفسهم وللآخرين.