سمر مجاهد تكتب: «الذئاب المنفردة.. حروب الجيل الخامس والأشباح»
مصر 2030إن مصطلح الجيل الخامس من الحروب لم يتم تداوله فى مصر، ولم يبرز بشكل واضح إلا خلال السنوات التى تلت قيام الثورة رغم ظهوره فى الغرب منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وظهر هذا الشكل من الحروب بشكل محاولات عدد من الدول استخدام وسائل التواصل الاجتماعى والدعاية الإعلامية لنشر أكاذيب عن الدولة المصرية بهدف إسقاطها.
تلك الأنواع من الحروب تؤثر بشكل كبير على الأمن القومى المصرى والعربى، حيث تتجاوز هذه مجالات الحروب التقليدية، لأنها عبارة عن خليط من المناوشات والمعارك الصغيرة وشن الحملات العسكرية السريعة والخاطفة، ونجد أن اتجاه تلك الدول الناشئة لتلك الحروب هى خلق حرب هجينة ما بين استخدام القوة والسيطرة على العقول بغزوها فكريا بمعتقدات وأفكار متطرفة لإسقاط الدول بيد شعوبها.
وإنشاء تلك الدول لهذا النوع من الحروب لطمأنة مواطنيها على قدرة جيوشهم على التصدى للتهديدات الأمنية، ومواكبة التطورات العالمية فى القدرات القتالية للجيوش، والتى أصبحت متنوعة ومتغيرة كل حين وآخر، ومن أمثلة تلك الحروب الهجمات على شبكات الكمبيوتر، وأنظمة توجيه الصواريخ دقيقة التوجه، والحملات الإعلامية والنفسية.
وتتسم هذه الحروب بأنها حروب بلا قيادة، لا يوجد نقطة مركزية تعكس الهيكل المؤسسى لها حيث تقوم تلك الحروب على توجيه مجموعة من المعلومات المحددة أو غير المحددة مثل الذئاب المنفردة، فنجد أن حروب الجيل الخامس تأخذ إطار مختلف عن سائر الأجيال الأربعة للحروب، حيث أنها تختلف فى مجالات الصراع وأدواته، فيتم استخدام القوة المسلحة وغير المسلحة دون مراعاة القيم الأخلاقية واحترام الحياة الإنسانية، لإجبار الخصوم على الخضوع لإدارة من يشن الحرب.
لهذا فإن حروب الجيل الخامس تختلف عن الأجيال الأربعة السابقة للحروب، نظرا لكثرة الوسائل المستخدمة بها، ولذلك أطلق عليها "الحروب الجينية" لأن هذا الجيل يعمل على إسقاط الضحايا بوسائل مختلفة، من خلال الأعمال التى يقومون بها، فيعتمدون على استراتيجية احتلال وغزو العقول لا الأرض، وحين تسقط العقول من البديهى أن تسقط الأرض، وعندها يتكفل المحتل بالباقى.
يستخدم المحتل هنا العنف غير المسلح، من خلال استخدام جماعات عقائدية مسلحة والتنظيمات الصغيرة المدربة، فيخلق حروب داخلية تتنوع ما بين اجتماعية واقتصادية وسياسية، بهدف استنزاف وسقوط الدولة المستهدفة، عن طريق نشر الشائعات والأكاذيب وأحداث الفتن الطائفية، فهى حرب أشباح لأن العدو بها غير محدد، نظرا لاستخدام الإرهاب الإلكترونى، وتعد الشعوب نفسها هى سلاحها ومصدر تهيجها.
البروفيسور الأمريكى ماكس مايوراينج أول، لفت إلى أن تلك الحرب الجينية "هى الحرب بالإكراه وإفشال الدولة وزعزعة استقرارها، ثم فرض واقع جديد يراعى مصالح الدولة الأمريكية"، لذا نجد أن حروب الجيل الخامس تختلف عن الأجيال السابقة فى توسيع مجالاتها، من خلال إقامة تحالفات شبكية بين الدول والكيانات المختلفة بهدف الانهيار الداخلى للدولة.
تلك الحروب هى التى تواجها مصر والدول العربية فى الوقت الحالى، حيث يتم استخدام حرب اللاعنف والاختراق السياسى، وأنماط من العنف المجتمعى؛ وتنقسم الحروب وفقا للمفاهيم العسكرية إلى حروب تقليدية، كناية عن استخدام الأسلحة والأدوات التقليدية، مثل؛ الدبابات والمدفعية والطائرات والغواصات وغيرها، إلى حروب نووية التى تستخدم بها الدول المتحاربة السلاح النووى، والتى تمتلكه تسعة دول فقط فى العالم، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وباكستان والهند وإسرائيل وأخيرا كوريا الشمالية.
إن استخدام الجيل الأول من الحرب قد بدأ باستخدام الرمح والسيف والدرع والعجلات الحربية، ويعتبر الجيش المصرى أول جيش نظامى عرفه التاريخ، والشاهد على ذلك تلك الرسوم المحفورة إلى وقتنا هذا على جدران المعابد الفرعونية، ثم ظهرت حروب الجيل الثانى باختراع الصينيون البارود، وكانوا يستخدمونه فى الاحتفالات، ثم قام العالم باستخدامه لاختراع البندقية والمدفع التى ظهرت فى حروب نابليون، لتؤرخ للجيل الثانى من الحروب.
أما الجيل الثالث والرابع من الحروب التقليدية فبدأ مع الحرب العالمية الأولى، والحقيقة أن الجيل الثالث من الحروب شهد تطورا مذهلا، فقد ظهرت الطائرات المسيرة بدون طيار، والصواريخ الموجهة، واستخدمت الأقمار الصناعية فى جمع المعلومات، ثم ظهرت بعد ذلك حروب الجيل الرابع والتى لا تعتمد على أسلوب الصدام والمواجهة بل هى حروب هدفها غزو المجتمع والشعوب بالسيطرة والتشويش على العقول.
وتم استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى والإنترنت بشكل عام، كأداة لحروب الجيل الرابع والخامس، ويتضح من سياسة تلك الحروب أن هدفهم هو إسقاط الدولة بتدمير عقول شعبها حتى يفقد المواطنين الثقة والإيمان بدولتهم، وأن الدولة غير قادرة على حمايتهم، وتشكيكهم بمدى قوة جيشهم وقواتهم المسلحة، وأن الدولة غير قادرة على توفير احتياجات مواطنيها، ومن ضمن الوسائل المستخدمة أيضا هى نشر الشائعات ضد الدولة المستهدفة لإسقاطها، ونشر المخدرات لإضعاف شباب الدولة لضمان القضاء على الحاضر والمستقبل، فيحدث التفكك داخل الدولة، وبهذا تكون حققت حروب الجيل الرابع والخامس أهدافها بأقل الخسائر البشرية والمادية مقارنة بالدخول فى حروب تقليدية.